responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 182

صونهم

[منازل صون الأولياء]

فمن منازل صونهم أداء الفرائض في الجماعات و الدخول مع الناس في كل بلد بزى ذلك البلد و لا يوطن مكانا في المسجد و تختلف أماكنه في المسجد الذي تقام فيه الجمعة حتى تضيع عينه في غمار الناس و إذا كلم الناس فيكلمهم و يرى الحق رقيبا عليه في كلامه و إذا سمع كلام الناس سمع كذلك و يقلل من مجالسة الناس إلا من جيرانه حتى لا يشعر به و يقضي حاجة الصغير و الأرملة و يلاعب أولاده و أهله بما يرضي اللّٰه تعالى و يمزح و لا يقول إلا حقا و إن عرف في موضع انتقل عنه إلى غيره فإن لم يتمكن له الانتقال استقضى من يعرفه و ألح عليهم في حوائج الناس حتى يرغبوا عنه و إن كان عنده مقام التحول في الصور تحول كما كان للروحاني التشكل في صور بنى آدم فلا يعرف أنه ملك و كذلك كان قضيب البان و هذا كله ما لم يرد الحق إظهاره و لا شهرته من حيث لا يشعر ثم إن هذه الطائفة إنما نالوا هذه المرتبة عند اللّٰه لأنهم صانوا قلوبهم أن يدخلها غير اللّٰه أو تتعلق بكون من الأكوان سوى اللّٰه فليس لهم جلوس إلا مع اللّٰه و لا حديث إلا مع اللّٰه فهم بالله قائمون و في اللّٰه ناظرون و إلى اللّٰه راحلون و منقلبون و عن اللّٰه ناطقون و من اللّٰه آخذون و على اللّٰه متوكلون و عند اللّٰه قاطنون فما لهم معروف سواه و لا مشهود إلا إياه صانوا نفوسهم عن نفوسهم فلا تعرفهم نفوسهم فهم في غيابات الغيب محجوبون هم ضنائن الحق المستخلصون يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق مشي ستر و أكل حجاب فهذه حالة هذه الطائفة المذكورة في هذا الباب

(تتمة شريفة)لهذا الباب [الولي يتبع النبي على بصيرة]

قلنا و من هذه الحضرة بعثت الرسل سلام اللّٰه عليهم أجمعين مشرعين و وجد معهم هؤلاء تابعين لهم قائمين بأمرهم من عين واحدة أخذ عنها الأنبياء و الرسل ما شرعوا و أخذ عنها الأولياء ما اتبعوهم فيه فهم التابعون على بصيرة العالمون بمن اتبعوه و فيما اتبعوه و هم العارفون بمنازل الرسل و مناهج السبل من اللّٰه و مقاديرهم عند اللّٰه تعالى وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى الجزء السادس عشر و الحمد لله (بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)

(الباب الرابع و العشرون)
في معرفة جاءت عن العلوم الكونية

و ما تتضمنه من العجائب و من حصلها من العالم و مراتب أقطابهم و أسرار الاشتراك بين شريعتين و القلوب المتعشقة بعالم الأنفاس و بالأنفاس و أصلها و إلى كم تنتهي منازلها

تعجبت من ملك يعود بنا ملكا و من مالك أضحى لمملوكه ملكا
فذلك ملك الملك إن كنت ناظما من اللؤلؤ المنثور من علمنا سلكا
فخذ عن وجود الحق علما مقدسا ليأخذ ذاك العلم من شاءه عنكا
فإن كنت مثلي في العلوم فقد ترى بأن الذي في كونه نسخة منكا
فهل في العلى شيء يقاوم أمركم و قد فتكت أسيافكم في الورى فتكا
فلو كنت تدري يا حبيبي وجوده و من أنت كنت السيد العلم الملكا
و كان إله الخلق يأتيك ضعف ما أتيت إليه إن تحققته ملكا

[ملك الملك:و الرابطة الوجودية بين الحق و الخلق]

اعلم أيدك اللّٰه أن اللّٰه يقول اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فإذا علمت هذا علمت إن اللّٰه رب كل شيء و مليكه فكل ما سوى اللّٰه تعالى مربوب لهذا الرب و ملك لهذا الملك الحق سبحانه و لا معنى لكون العالم ملك اللّٰه تعالى إلا تصرفه فيه على ما يشاء من غير تحجير و أنه محل تأثير الملك سيده جل علاه فتنوع الحالات التي هو العالم عليها هو تصرف الحق فيه على حكم ما يريده ثم إنه لما رأينا اللّٰه تعالى يقول كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فأشرك نفسه مع عبده في الوجوب عليه و إن كان هو الذي أوجب على نفسه ما أوجب فكلامه صدق و وعده حق كما يوجب الإنسان بالنذر على نفسه ابتداء ما لم يوجبه الحق عليه فأوجب اللّٰه عليه الوفاء بنذره الذي أوجبه على نفسه فأمره بالوفاء بنذره ثم رأيناه تعالى لا يستجيب إلا بعد دعاء العبد إياه كما شرع كما إن العبد لا يكون مجيبا للحق حتى يدعوه الحق إلى ما يدعوه إليه قال

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 182
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست