responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 137

الرابط بين المقدمتين خفي في كن و هو الواو المحذوف لالتقاء الساكنين كذلك إذا التقى الرجل و المرأة لم يبق للقلم عين ظاهرة فكان القاؤه النطفة في الرحم غيبا لأنه سر و لهذا عبر عن النكاح بالسر في اللسان قال تعالى وَ لٰكِنْ لاٰ تُوٰاعِدُوهُنَّ سِرًّا و كذلك عند الإلقاء يسكنان عن الحركة و يمكن إخفاء القلم كما خفي الحرف الثالث الذي هو الواو من كن للساكنين و كان الواو لأن له العلو لأنه متولد عن الرفع و هو إشباع الضمة و هو من حروف العلة

[أول منفصل و آخر منفصل في دورة الملك]

و هذا الذي ذكرناه إنما هو إذا كان الملك عبارة عن الأناسي خاصة فإن نظرنا إلى سيادته على جميع ما سوى الحق كما ذهب إليه بعض الناس

للحديث المروي إن اللّٰه يقول لولاك يا محمد ما خلقت سماء و لا أرضا و لا جنة و لا نارا و ذكر خلق كل ما سوى اللّٰه فيكون أول منفصل فيها النفس الكلية عن أول موجود و هو العقل الأول و آخر منفصل فيها حواء عن آخر موجود آدم فإن الإنسان آخر موجود من أجناس العالم فإنه ما ثم إلا ستة أجناس و كل جنس تحته أنواع و تحت الأنواع أنواع فالجنس الأول الملك و الثاني الجان و الثالث المعدن و الرابع النبات و الخامس الحيوان و انتهى الملك و تمهد و استوى و كان الجنس السادس جنس الإنسان و هو الخليفة على هذه المملكة و إنما وجد آخرا ليكون إماما بالفعل حقيقة لا بالصلاحية و القوة فعند ما وجد عينه لم يوجد إلا واليا سلطانا ملحوظا ثم جعل له نوابا حين تأخرت نشأة جسده فأول نائب كان له و خليفة آدم ع ثم ولد و اتصل النسل و عين في كل زمان خلفاء إلى أن وصل زمان نشأة الجسم الطاهر محمد صلى اللّٰه عليه و سلم فظهر مثل الشمس الباهرة فاندرج كل نور في نوره الساطع و غاب كل حكم في حكمه و انقادت جميع الشرائع إليه و ظهرت سيادته التي كانت باطنة ف‌ هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّٰاهِرُ وَ الْبٰاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فإنه

قال أوتيت جوامع الكلم و

قال عن ربه ضرب بيده بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فعلمت علم الأولين و الآخرين فحصل له التخلق و النسب الإلهي من قوله تعالى عن نفسه هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّٰاهِرُ وَ الْبٰاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ و جاءت هذه الآية في سورة الحديد الذي فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنٰافِعُ لِلنّٰاسِ فلذلك بعث بالسيف و أرسل رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ و كل منفصل عن شيء فقد كان عامرا لما عنه انفصل و قد قلنا إنه لا خلاء في العالم فعمر موضع انفصاله بظله إذ كان انفصاله إلى النور و هو للظهور فلما قابل النور بذاته امتد ظله فعمر موضع انفصاله فلم يفقده من انفصل عنه فكان مشهودا لمن انفصل إليه و مشهودا لمن انفصل عنه و هو المعنى الذي أراده القائل بقوله

(شهدتك
موجودا بكل مكان)
فمن أسرار العالم أنه ما من شيء يحدث إلا و له ظل يسجد لله ليقوم بعبادة ربه على كل حال سواء كان ذلك الأمر الحادث مطيعا أو عاصيا فإن كان من أهل الموافقة كان هو و ظله على السواء و إن كان مخالفا ناب ظله منابه في الطاعة لله قال اللّٰه تعالى وَ ظِلاٰلُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ

[السلطان ظل اللّٰه في الأرض]

السلطان ظل اللّٰه في الأرض إذ كان ظهوره بجميع صور الأسماء الإلهية التي لها الأثر في عالم الدنيا و العرش ظل اللّٰه في الآخرة فالضلالات أبدا تابعة للصورة المنبعثة عنها حسا و معنى فالحس قاصر لا يقوي قوة الظل المعنوي للصورة المعنوية لأنه يستدعي نورا مقيدا لما في الحس من التقييد و الضيق و عدم الاتساع و لهذا نبهنا على الظل المعنوي بما جاء في الشرع من أن السلطان ظل اللّٰه في الأرض فقد بان لك أن بالظلالات عمرت الأماكن فهنا قد ذكرنا طرفا مما يليق بهذا الباب و لم نمعن فيه مخافة التطويل و فيما أوردناه كفاية لمن تنبه إن كان ذا فهم سليم و تذكرة لمن شاهد و علم و اشتغل بما هو أعلى أو غفل بما هو أنزل فيرجع إلى ما ذكرناه عند ما ينظر في هذا الباب

(فصل) [مراتب أهل الفترة]

و أما مرتبة العالم الذي بين عيسى ع و محمد صلى اللّٰه عليه و سلم و هم أهل الفترة فهم على مراتب مختلفة بحسب ما يتجلى لهم من الأسماء عن علم منهم بذلك و عن غير علم فمنهم من وحد اللّٰه بما تجلى لقلبه عند فكره و هو صاحب الدليل فَهُوَ عَلىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ممتزج بكون من أجل فكره فهذا يبعث أمة وحده كقُسِّ بن ساعدة و أمثاله فإنه ذكر في خطبته ما يدل على ذلك فإنه ذكر المخلوقات و اعتباره فيها و هذا هو الفكر و منهم من وحد اللّٰه بنور وجده في قلبه لا يقدر على دفعه من غير فكرة و لا روية و لا نظر و لا استدلال فهم على نور من ربهم خالص غير ممتزج بكون فهؤلاء يحشرون أخفياء أبرياء و منهم من ألقى في نفسه و أطلع من كشفه لشدة نوره و صفاء سره لخلوص يقينه على منزلة محمد

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 1  صفحة : 137
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست