فلقد بلغ إلى حد لا يوصف،و لم أر-بل لم أتعقل-مثله لأحد،و قد كان عند موت بعض أولاده و أقاربه أو ورود نائبة أخرى عليه يحمر لونه و يصفر،و لم يكن مع ذلك يظهر شيئا،بل كان يشكر و يتوكل،و لقد عثرت على مشاقّ تحمّلها و مصائب شكر عليها تعجز عن حملها الجبال الرواسي،و كان كلّ ذلك ليقينه باللّه تعالى و عدم اعتبار الدنيا عنده بمقدار جناح بعوضة،و عدم ميله إليها و لا حبّه لها بقدر ذرّة،و قد سألته قدّس سرّه عما حصل له به ذلك التوكل فقال:
بنيّ!التوفيق من اللّه تعالى،اتفقت لي قضايا و شملني توفيق اللّه تعالى فصرت متوكّلا.
و من ظريف ما نقل قدّس سرّه من القضايا أنّه قال:مضت عليّ سنة في حال عيلتي بجمع من العيال عشت فيها بالدين حيث كان طريق الزوار و المترددين مسدودا من جانب الدولة،فلمّا انقضت السنة أتانا خبر سد الطريق في السنة الّتي بعدها أيضا،و اتفق أنّي كتبت الصفحة-و هي على الكتاب-فلمّا فرغت منها جلست ليجف الحبر فأخذني الفكر و قلت في نفسي:
إنّ الطريق قد انسدّ و عليك من الديون كذا و كذا..و من مصرف العيال كذا و كذا..فأظلمّت الدنيا في عيني؛فبينما أنا أفكّر و إذا بعوضة صعدت على الكتاب من عن يمين الصفحة و عنكبوتة من عن يسارها و جعل كلّ منهما تأتي نحو صاحبته إلى أن بقي بينهما مقدار عرض أربع أصابع منضمّات،فطارت البعوضة و ألقت نفسها في فم العنكبوتة!فقلت في نفسي:إنّ هذه موعظة لك من ربك،يقول لك:إنّ الرزق بيدي و إنّي أجعل الرزق راغبا إليك هو يأتيك من دون أن تمضي و تطلبه،فتوكلت على ربي..و ما مضت إلاّ أيام قلائل