اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 531
أنجز الموعود من إهلاك الكفرة وإنجاء نوح ومن معه في السفينة ، ثم أتبعه
حديث السفينة وهو قوله : (وَاسْتَوَتْ عَلَى
الْجُودِيِّ ،) ثم ختمت القصة بما ختمت. هذا كله نظر في الآية من [جانب][١] البلاغة.
النظر في الآية من جانب الفصاحة :
وأما النظر
فيها من جانب الفصاحة المعنوية فهي كما ترى : نظم للمعاني لطيف ، وتأدية لها ملخصة
مبينة ، لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد ، ولا التواء يشيك الطريق إلى المرتاد
، بل إذا جربت نفسك ، عند استماعها ، وجدت ألفاظها تسابق معانيها ، ومعانيها تسابق
ألفاظها ، فما من لفظة في تركيب الآية ونظمها تسبق إلى أذنك ، إلّا ومعناها أسبق
إلى قلبك.
وأما النظر
فيها من جانب الفصاحة اللفظية : فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة ، جارية على
قوانين اللغة ، سليمة عن التنافر ، بعيدة عن البشاعة ، عذبة على العذبات ، سليسة
على الإسلات ، كل منها كالماء في السلاسة ، وكالعسل في الحلاوة ، وكالنسيم في
الرقة.
ولله در شأن
التنزيل ، لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لا تسع الحصر ، ولا تظنّنّ
الآية مقصورة على ما ذكرت ، فلعل ما تركت أكثر مما ذكرت ؛ لأن المقصود لم يكن إلّا
مجرد الإرشاد لكيفية اجتناء ثمرات علمي المعاني والبيان ، وأن لا علم في باب التفسير
بعد علم الأصول ، أقرأ منهما على المرء لمراد الله تعالى من كلامه ، ولا أعون على
تعاطي تأويل مشتبهاته ، ولا أنفع في درك لطائف نكته وأسراره ، ولا أكشف للقناع عن
وجه إعجازه ، هو الذي يوفي كلام رب العزة من البلاغة حقه ، ويصون له في مظان
التأويل ماءه ورونقه ، ولكم آية من آيات القرآن تراها قد ضيمت حقها ، واستلبت [ماءها][٢] ورونقها ، إن وقعت إلى من ليسوا من أهل هذا العلم ،
فأخذوا بها