اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 529
ترشيحا [١] لاستعارة النداء ، ثم قال : (ماءَكِ ،) بإضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز ، تشبيها
لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك ، واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح ، ثم
اختار لاحتباس المطر : خ خ الإقلاع ، الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في
عدم ما كان ، ثم أمر على سبيل الاستعارة وخاطب في الأمر قائلا : (أَقْلِعِي ؛) لمثل ما تقدم في : (ابْلَعِي ،) ثم قال : (وَغِيضَ الْماءُ
وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً :) فلم يصرح بمن غاض الماء ، ولا بمن قضى الأمر ، وسوى
السفينة ، وقال : (بُعْداً ،) كما لم يصرح بقائل : خ خ يا أرض خ خ ويا سماء ، في صدر
الآية ، سلوكا في كل واحد من ذلك لسبيل الكناية أن تلك الأمور العظام لا تتأتى
إلّا من ذي قدرة ، لا يكتنه قهار لا يغالب ، فلا مجال لذهاب الوهم إلى أن يكون
غيره ، جلت عظمته ، قائل : خ خ يا أرض وخ خ يا سماء ، ولا غائض مثل ما غاض ، ولا
قاضي مثل ذلك الأمر الهائل ، أو أن تكون تسوية السفينة وإقرارها بتسوية غيره
وإقراره ؛ ثم ختم الكلام بالتعريض ـ تنبيها لسالكي مسلكهم في تكذيب الرسل ظلما
لأنفسهم لا غير ـ ختم إظهار لمكان السخط ، ولجهة استحقاقهم إياه ؛ وأن قيمة
الطوفان ، وتلك الصورة الهائلة ، ما كانت إلّا لظلمهم.
وأما النظر
فيها من حيث علم المعاني ، وهو : النظر في فائدة كل كلمة منها ، وجهة كل تقديم
وتأخير فيما بين جملها ، فذلك أنه اختير : [خ خ يا][٢] ، دون سائر أخواتها لكونها أكثر في الاستعمال ، وأنها
دالة على بعد المنادى الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة ، وإبداء شأن العزة والجبروت
، وهو تبعيد المنادي المؤذن بالتهاون به. ولم يقل : خ خ يا أرض بالكسر لإمداد
التهاون ، ولم يقل : خ خ يا أيتها الأرض لقصد الاختصار ، مع الاحتراز عما في : خ خ
أيتها ، من تكلف التنبيه غير المناسب بالمقام ، واختير لفظ : خ خ الأرض دون سائر
أسمائها لكونه أخف وأدور ، واختير لفظ : خ خ السماء لمثل ما تقدم في الأرض مع قصد
المطابقة ، وستعرفها ، واختير لفظ : خ خ ابلعي ، على : خ خ ابتلعي ، لكونه أخصر ،