اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 512
الأصل الثالث
من علم البيان في الكناية
تقديم :
الكناية هي ترك
التصريح بذكر الشيء إلى ذكر ما يلزمه ، لينتقل من المذكور إلى المتروك ، كما تقول
: فلان طويل النجاد ، لينتقل منه إلى ما هو ملزومه ، وهو طول القامة ، وكما تقول :
فلانة نؤوم الضحى ، لينتقل منه إلى ما هو ملزومه ، وهو كونها مخدومة ، غير محتاجة
إلى السعي بنفسها في إصلاح المهمات ، وذلك أن وقت الضحى وقت سعي نساء العرب في أمر
المعاش وكفاية أسبابه ، وتحصيل ما تحتاج إليه في تهيئة المتناولات ، وتدبير
إصلاحها ، فلا تنام فيه من نسائهم إلّا من تكون لها خدم ينوبون عنها في السعي
لذلك.
وسمي هذا النوع
كناية ، لما فيه من إخفاء وجه التصريح ، ودلالة : خ خ كنى على ذلك ، لأن : (ك ، ن
، ي) ، كيفما تركبت ، دارت مع تأدية معنى الخفاء ، من ذلك : كنى عن الشيء يكني ،
إذا لم يصرح به ، ومنه : الكنى ، وهو : أبو فلان ، وابن فلان ، وأم فلان ، وبنت
فلان ، سميت : كنى ، لما فيها من إخفاء وجه التصريح بأسمائهم الأعلام ، ومن ذلك :
نكى في العدو ، ينكى ، إذا أوصل إليه مضار من حيث لا يشعر بها ، ومنه : نكايات
الزمان لجوائحها الملمة على بنيه من حيث لا يشعرون ؛ ومن ذلك : الكين : للّحمة [المستبطنة][١] في فلهم [٢] المرأة لخفائها ، ومن ذلك : مقلوب الكين [٣] ؛ قلب الكل لإخفاء الناس إياه واحترازهم أن يصرحوا
بلفظه ، فضلا أن يرتكبوا معناه جهارا.