اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 511
فلست أبالي أن هذه الأوامر بأسرها من باب المجاز الحكمي.
وإذا تأملت
المجاز العقلي ، وجدت الحاصل منه يرجع إلى إيقاع نسبة في غير موضعها عند الموقع ،
لا من حيث اللغة لضرب من التأول ، مثل النسبة بين : إنبات البقل والربيع في الخبر
، والأمر ، والنهي ، والاستفهام ؛ وبين الوزير وبناء القصر في ذلك.
أقسام المجاز في رأي السكاكي :
هذا كله تقرير
للكلام في هذا الفصل بحسب رأي الأصحاب ، من تقسيم المجاز إلى : لغوي وعقلي ، وإلّا
فالذي عندي هو نظم هذا النوع في سلك الاستعارة بالكناية ، بجعل الربيع استعارة
بالكناية عن الفاعل الحقيقي بوساطة المبالغة في التشبيه ، على ما عليه مبنى
الاستعارة كما عرفت ، وجعل نسبة الإنبات إليه قرينة للاستعارة ، وبجعل الأمير
المدبر لأسباب هزيمة العدو استعارة بالكناية عن الجند الهازم ، وجعل نسبة الهزم
إليه قرينة للاستعارة.
وإنني ، بناء
على قولي هذا ههنا ، وقولي ذلك في فصل الاستعارة التبعية ، وقولي في المجاز الراجع
عند الأصحاب إلى حكم للكلمة على ما سبق ـ أجعل المجاز كله لغويا ، وينقسم عندي
هكذا إلى : مفيد وغير مفيد ؛ والمفيد إلى : استعارة وغير استعارة ، والاستعارة إلى
: مصرح بها ومكنى عنها ، والمصرح بها إلى : تحقيقية وتخييلية ، والمكنى عنها إلى :
ما قرينتها أمر مقدر وهمي ، كالأنياب في قولك : خ خ أنياب المنية ، وخ خ كنطقت ،
في قولك : خ خ نطقت الحال بكذا ، أو أمر محقق ، كالإنبات ، في قولك : خ خ أنبت
الربيع البقل ، وكالهزم ، في قولك : خ خ هزم الأمير الجند ، والتحقيقية والتخييلية
كلتاهما إلى : قطعية واحتمالية للتحقيق والتخييل بتحصيل أقسام ثلاثة من ذلك : تحقيقية
بالقطع ، تخييلية بالقطع ، تحقيقية أو تخييلية بالاحتمال.
واعلم أن حدّ
الحقيقة الحكمية والمجاز الحكمي ، عند أصحابنا رحمهمالله ، غير ما ذكرت. حد الحقيقة الحكمية عندهم : كل جملة
وضعتها على أن الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل ، وواقع موقعه. وحد
المجاز الحكمي : كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في العقل ، لضرب من
التأول. وإذ قد عرفت ما ذكرت وما ذكروا ، فاختر أيهما شئت!
اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 511