اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 486
القسم الثالث
في الاستعارة المصرح بها المحتملة للتحقيق والتخييل
هي كما ذكرنا
أن يكون المشبه المتروك صالح الحمل على ما له تحقق من وجه ، وعلى ما لا تحقق له من
وجه آخر ، ونظيره قول زهير [١] :
صحا القلب عن
سلمى وأقصر باطله ...
وعرّي أفراس
الصّبا ورواحله
أراد أن يبين
أنه أمسك عما كان يرتكب ، أو أن الصبا ، وقمع النفس عن التلبس بذاك ، معرضا
الإعراض الكلي عن المعاودة لسلوك سبيل الغي ، وركوب مراكب الجهل ، فقال :
وعرّي أفراس الصّبا ورواحله
أي ما بقيت آلة
من آلاتها المحتاج إليها في الركوب والارتكاب قائمة ، كأيما نوع فرضت من الأنواع ،
حرفة أو غيرها ، متى وطنت النفس على اجتنابه ، ورفع القلب رأسا عن دق بابه ، وقطع
العزم عن معاودة ارتكابه ، فيقل العناية بحفظ ما قوام ذلك النوع به من الآلات
والأدوات ، فترى يد التعطيل تستولي عليها فتهلك وتضيع شيئا فشيئا ، حتى لا تكاد
تجد في أدنى مدة أثرا منها ولا عثيرا ، فبقيت لذلك معراة لا آلة ولا أداة ، فحق
قوله : خ خ أفراس الصبا ورواحله ، أن يعد استعارة تخييلية ، لما يسبق إلى الفهم ،
ويتبادر إلى الخاطر ، من تنزيل : (أفراس الصبا ورواحله) ، منزلة أنياب المنية
ومخالبها ، وإن كان يحتمل احتمالا بالتكلف أن تجعل الأفراس والرواحل عبارة عن
دواعي النفوس وشهواتها ، والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات ، أو عن الأسباب
التي قلما تتآخذ في اتباع الغي ، وجر أذيال البطالة ، إلّا أوان الصبا ، وكذلك
قوله ، علت كلمته : (فَأَذاقَهَا اللهُ
لِباسَ الْجُوعِ)[٢] الظاهر من اللباس ، عند أصحابنا ، الحمل على
[١]أورده بدر الدين
بن مالك في المصباح ص ١٣٢ وعزاه إليه ، والقزوينى في الإيضاح ص ٤٤٦ ، والطيبى في
التبيان (١ / ٣٠٢) وشرحه على مشكاة المصابيح (١ / ١١٨) والعلوى في الطراز (١ / ٢٣٣).