اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 431
الباب الخامس
في النداء
ما يتعلق
بالنداء من حروفه وتفصيل الكلام في معانيها سبق التعرض لذلك في علم النحو ، فلا
نتكلم فيه ، ولكن ههنا نوع من الكلام ، صورته صورة النداء ، وليس بنداء ، فننبه
عليه.
تلك الصورة هي
قولهم : أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل ، ونحن نفعل كذا أيها القوم ، واللهم اغفر
لنا أيتها العصابة ، يراد بهذا النوع من الكلام الاختصاص على معنى : أنا أفعل كذا
متخصصا بذلك من بين الرجال ، ونحن نفعل كذا متخصصين من بين الأقوام ، واللهم اغفر
لنا مخصوصين من بين العصائب.
واعلم أن الطلب
كثيرا ما يخرج لا على مقتضى الظاهر ، وكذلك الخبر ، فيذكر أحدهما في موضع الآخر ،
ولا يصار إلى ذلك إلا لتوخي نكت قلما يتفطن لها من لا يرجع إلى دربة في نوعنا هذا
، ولا يعض فيه بضرس قاطع ، والكلام بذلك متى صادف متممات البلاغة افتر لك عن السحر
الحلال بما شئت.
ومن المتممات
ما قد سبق لي : أن نظم الكلام إذا استحسن من بليغ لا يمتنع أن لا يستحسن مثله من
غير البليغ ، وإن اتحد المقام ، إذ لا شبهة في صحة اختلاف النظم ، مقبولا وغير
مقبول عند اختلاف المقام ، فلا بد لحسن الكلام من انطباق له على ما لأجله يساق ،
ومن صاحب له عرّاف بجهات الحسن لا يتخطاها ، وإلّا لم يمتنع حمل الكلام منه على
غيرها ، ويتعرى عن الحسن لذهاب كسوته ، ولا بدّ مع ذلك من إذن لافتنانات البلاغة
مصوغة ، فما الآفة العظمى ، والبلية الكبرى ، لتلك الافتنانات إلّا من أصمخة هي
لغيرها مخلوقة ، إذا اتصل بذويها كلام لا ترى به الدر الثمين ، مسخه لهم جهلهم
مسخا يفوقه قيمة المشخلب [١].
[١] المشخلب : كلمة
عراقية ليس على بنائها شىء من العربية ، وتتخذ من الليف والخرز أمثال الحلى.
اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 431