اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 398
اشتعل رأسي شيبا ، وكونها أبلغ من جهات :
إحداها : إسناد
الاشتعال إلى الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس ، إذ وزان : اشتعل شيب رأسي ،
واشتعل رأسي شيبا ، وزان : اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي نارا ، والفرق نير.
وثانيتها :
الإجمال والتفصيل في طريق التمييز.
وثالثتها :
تنكير" شيبا" لإفادة المبالغة ، ثم ترك : (اشتعل رأسي شيبا) ، لتوخي
مزيد التقرير إلى : اشتعل الرأس مني شيبا ، على نحو : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) ثم ترك لفظ : (مني) لقرينة عطف ، واشتعل الرأس على وهن
العظم مني ، لمزية مزيد التقرير ، وهي إيهام حوالة تأدية مفهومه على العقل دون
اللفظ.
الاختصار :
واعلم أن الذي
فتق أكمام هذه الجهات عن أزاهير القبول في القلوب ، هو أن مقدمة هاتين الجملتين
وهي : رب ، اختصرت ذلك الاختصار بأن حذفت كلمة النداء وهي : " يا" وحذفت
كلمة المضاف إليه وهي : " ياء المتكلم" واقتصر من مجموع الكلمات على
كلمة واحدة فحسب ، وهي المنادى ، والمقدمة للكلام ، كما لا يخفى على من له قدم صدق
في نهج البلاغة ، نازلة منزلة الأساس للبناء ، فكما أن البناء الحاذق لا [يرمي][١] الأساس إلا بقدر ما يقدر من البناء عليه ، كذلك البليغ
يصنع بمبدأ كلامه ، فمتى رأيته اختصر المبدأ ، فقد آذنك باختصار ما يورد ، ثم إن
الاختصار لكونه من الأمور النسبية يرجع في بيان دعواه إلى ما سبق تارة ، وإلى كون
المقام خليقا بأبسط مما ذكر أخرى.
والذي نحن
بصدده من القبيل الثاني ، إذ هو كلام في معنى انقراض الشباب وإلمام المشيب ، وهل
معنى أحق أن يمتري القائل فيه أفاويق المجهود ، ويستغرق في الإنباء عنه