والكلام في تلك
اللطائف مفتقر إلى أخذ أصل معنى الكلام ومرتبته الأولى ، ثم النظر في التفاوت بين
ذلك ، وبين ما عليه نظم القرآن ، وفي كم درجة يتصل أحد الطرفين بالآخر ، فنقول :
لا شبهة أن أصل معنى الكلام ومرتبته الأولى : يا ربي قد شخت ، فإن الشيخوخة مشتملة
على : ضعف البدن وشيب الرأس ، المتعرض لهما ؛ ثم تركت هذه المرتبة لتوخي مزيد
التقرير إلى تفصيلها في : ضعف بدني وشاب رأسي ، ثم تركت هذه المرتبة الثانية
لاشتمالها على التصريح إلى ثالثة أبلغ وهي : الكناية ، في : وهنت عظام بدني ، لما
ستعرف أن الكناية أبلغ من التصريح ، ثم لقصد مرتبة رابعة ، أبلغ في التقريب بنيت
الكناية على المبتدأ ، فحصل : أنا وهنت عظام بدني ، ثم لقصد خامسة أبلغ ، أدخلت إن
على المبتدأ فحصل : إني وهنت عظام بدني ، ثم لطلب تقرير أن الواهن هي عظام بدنه ،
قصدت مرتبة سادسة ، وهي سلوك طريقي الإجمال والتفصيل ، فحصل : إني وهنت العظام من
بدني ؛ والذي سبق في تقرير معنى الإجمال والتفصيل في : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي)[٢] ينبه عليه ههنا ، ثم لطلب مزيد اختصاص العظام به ، قصدت
مرتبة سابعة وهي : ترك توسيط البدن ، فحصل : إني وهنت العظام مني ، ثم لطلب شمول
الوهن العظام فردا فردا ، قصدت مرتبة ثامنة ، وهي : ترك جمع العظم إلى الإفراد ؛
لصحة حصول وهن المجموع بالبعض دون كل فرد فرد ، فحصل ما ترى ، وهو الذي في الآية :
(إِنِّي وَهَنَ
الْعَظْمُ مِنِّي).
في الاستعارة :
وهكذا تركت
الحقيقة في : شاب رأسي إلى أبلغ ، وهي الاستعارة ؛ فسيأتيك أن الاستعارة أبلغ من
الحقيقة ، فحصل : اشتعل شيب رأسي ، ثم تركت إلى أبلغ ، وهي :