واعلم أن هذا
النوع ، أعني نقل الكلام عن الحكاية إلى الغيبة ، لا يختص المسند إليه ، ولا هذا
القدر ، بل الحكاية والخطاب والغيبة ثلاثتها ينقل كل واحد منها إلى الآخر ، ويسمى
هذا النقل التفاتا عند علماء علم المعاني ، والعرب يستكثرون منه ، ويرون الكلام
إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القبول عند السامع ، وأحسن تطرية لنشاطه ،
وأملأ باستدرار إصغائه ، وهم أحرياء بذلك. أليس قرى الأضياف سجيتهم ، ونحر العشار
للضيف دأبهم وهجّيراهم [٢] ، لا مزقت أيدي الأدوار لهم أديما ، ولا أباحت لهم
حريما ، أفتراهم يحسنون قرى الأشباح ، فيخالفون فيه بين لون ولون ، وطعم وطعم ،
ولا يحسنون قرى الأرواح ، فلا يخالفون فيه بين أسلوب وأسلوب ، وإيراد وإيراد ، فإن
الكلام المفيد عند الإنسان ، لكن بالمعنى لا بالضرورة ، أشهى غذاء لروحه وأطيب قرى
لها ، قال ربيعة بن مقروم : [٣]
[١]هذا العنوان من
وضعنا. والالتفات عرفه الطّيبى تعريفا دقيقا في كتابه التبيان فقال : هو الانتقال
من إحدى الصيغ الثلاث ، أعنى الحكاية والخطاب ، والغيبة إلى الأخرى لمفهوم واحد
رعاية لنكتة التبيان ٢ / ٣٤٧ بتحقيقى ط المكتبة التجارية بمكة المكرمة ، وقد أفاد
الطيبى من تنبيه ابن الأثير في المثل السائر ٢ / ١٦٩ على أن الالتفات لا يكون إلا
لفائدة اقتضته ، فالتفت الطيبى إلى ذلك ، ونص في تعريفه للالتفات على أنه إنما
يكون رعاية لنكتة ، ويتفرد الطيبى بنصه على ذلك دون عامة البلاغيين المعاصرين له
أو السابقين. وانظر في تعريف الالتفات : الزمخشري : الكشاف ١ / ١٠ والقزويني ؛
الإيضاح ص ١٥٧ بتحقيق د / خفاجى ، وابن مالك : المصباح ص ٣٠ ، الرازي : نهاية
الإيجاز ص ٢٨٧ ، والعلوى : الطراز ٢ / ١٣٢.