اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 291
تقديم المسند إليه على المسند :
وأما الحالة
التي تقتضي تقديمه على المسند فهي : متى كان ذكره أهم ، ثم إن كونه أهم ، يقع
باعتبارات مختلفة : إما لأن أصله التقديم ، ولا مقتضى للعدول عنه ، وستسمع كلاما
في هذا المعنى في آخر الفن الثالث ، إن شاء الله تعالى ، وإما لأنه متضمن
للاستفهام ، كقولك : أيهم منطلق ، وسيقرر في القانون الثاني.
وإما لأنه ضمير
الشأن والقصة ، كقولك : هو زيد منطلق ، وعن قريب تعرف السر في التزام تقدمه ، وإما
لأن في تقديمه تشويقا للسامع إلى الخبر ؛ ليتمكن في ذهنه إذا أورده ، كما إذا قلت
: صديقك فلان الفاعل الصانع رجل صدوق ؛ وهو إحدى خواص تراكيب الأخبار في باب الذي
، كما إذا قلت بدل قولك : زيد منطلق ، الذي زيد هو منطلق ، أو بدل قولك : خبر
مقدمك سرني ، الذي هو سرني خبر مقدمك. أو الذي خبره سرني مقدمك ، وهو السبب في
التزام تأخير الخبر في هذا الباب ، وامتناع الإخبار عن ضمير الشأن ، والمراد
بالإخبار في عرف النحويين في هذا الباب ، هو أن تعمد إلى أي اسم شئت فتزحلقه إلى
العجز ، وتصير ما عداه صلة للذي ، إن كانت الجملة اسمية.
وأما إن كانت
فعلية ، فله أو للألف واللام بمعناه ، واضعا مكان المزحلق ضميرا عائدا إلى الموصول
، مراعيا في ذلك ما أفادك علم النحو ، مثل : إن ضمير الشأن ملتزم التقديم ، وإن
الضمير لا ينصب مفعولا ، وإن الحال لا يكون معرفا ، وإن ربط المعنى بالمعنى إذا
كان بسبب عود الضمير ، فلا بد منه.
وأنا أضرب لك
أمثلة لتتحقق جميع ذلك. قل في الإخبار عن ضميرك في : أظن الذباب يطير في الجو
فيغضب أبا زيد ، الذي يظن الذباب يطير في الجو ، فيغضب أبا زيد ، أنا ، أو الظان
الذباب ، وعن الذباب الذي أظنه يطير في الجو فيغضب أبا زيد الذباب ، وعن الجو الذي
أظن الذباب يطير فيه فيغضب أبا زيد الجو ، وعن أبي زيد الذي أظن الذباب يطير في
الجو فيغضبه أبو زيد ، وعن زيد الذي أظن الذباب يطير في الجو فيغضب أباه زيد ، ولا
تخبر في قولك : هو إكرامي زيدا قادما ، واجب عن ضمير الشأن ؛ لئلا يلزم تأخيره
الممتنع ، ولا عن الإكرام لئلا يلزم إعمال الضمير الذي يقع موقعه في زيدا ، ولا عن
: قادما ؛ لئلا يلزم وقوع الضمير الذي هو معرفة ، موقع الممتنع
اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السّكّاكي الجزء : 1 صفحة : 291