اعلم أن المذهب
هو هذا الذى ذكرناه ، والعمل عليه ، والوصيّة به. فإذا شاهدت ظاهرا يكون مثله أصلا
أمضيت الحكم على ما شاهدته من حاله ، وإن أمكن أن تكون الحال فى باطنه بخلافه ؛ ألا
ترى أن سيبويه حمل سيدا على أنه مما عينه ياء ، فقال فى تحقيره : سييد ، كديك
ودييك ، وفيل وفييل. وذلك أن عين الفعل لا ينكر أن تكون ياء ، وقد وجدت فى سيد ياء
، فهى فى ظاهر أمرها ، إلى أن يرد ما يستنزل عن بادى حالها.
فإن قلت : فإنا
لا نعرف فى الكلام تركيب (س ى د) فهلا لمّا لم يجد ذلك ، حمل الكلمة على ما فى
الكلام مثله ، وهو ما عينه من هذا اللفظ واو ، وهو السواد والسّودد ، ونحو ذلك؟
قيل : هذا
يدلّك على قوّة الظاهر عندهم ، وأنه إذا كان ممّا تحتمله القسمة ، وتنتظمه القضيّة
، حكم به وصار أصلا على بابه. وليس يلزم إذا قاد الظاهر إلى إثبات حكم تقبله
الأصول ولا تستنكره ألّا يحكم به ، حتى يوجد له نظير. وذلك أن النظير ـ لعمرى ـ مما
يؤنس به ، فأمّا ألا تثبت الأحكام إلا به فلا ؛ ألا ترى أنه قد أثبت فى الكلام
فعلت تفعل ، وهو كدت تكاد ، وإن لم يوجدنا غيره ، وأثبت بانقحل باب (انفعل) ، وإن
لم يحك هو غيره ، وأثبت بسخاخين (فعاعيلا) وإن لم يأت بغيره.
فإن قلت : فإنّ
(سيدا) ممّا يمكن أن يكون من باب ريح وديمة ، فهلا توقّف عن الحكم بكون عينه ياء ؛
لأنه لا يأمن أن تكون واوا؟ قيل : هذا الذى تقوله إنما تدّعى فيه ألا يؤمن أن يكون
من الواو ؛ وأمّا الظاهر فهو ما تراه. ولسنا ندع حاضرا له وجه من القياس لغائب
مجوّز ليس عليه دليل.
فإن قيل : كثرة
عين الفعل واوا تقود إلى الحكم بذاك ، قيل : إنما يحكم بذاك مع عدم الظاهر ، فأمّا
والظاهر معك ، فلا معدل عنه بك. لكن ـ لعمرى ـ إن لم