فإن قلت : فمن
أين لنا فى علامات التأنيث ما يكون معنى لا لفظا؟ قيل : إذا قام الدليل لم يلزم
النظير. وأيضا فإن التاء فى هذا وإن لم تكن للتأنيث فإنها بدل خصّ التأنيث ،
والبدل وإن كان كالأصل لأنه بدل منه فإن له أيضا شبها بالزائد من موضع آخر ، وهو
كونه غير أصل ، كما أن الزائد غير أصل ؛ ألا ترى إلى ما حكاه عن أبى الخطّاب من
قول بعضهم فى راية : راءة بالهمز ، كيف شبّه ألف راية ـ وإن كانت بدلا من العين ـ بالألف
الزائدة ، فهمز اللام بعدها ، كما يهمزها بعد الزائدة فى نحو سقاء ، وقضاء. وأمّا
قول أبى عمر [١] : إن التاء فى كلتى زائدة ، وإنّ مثال الكلمة بها (فعتل)
فمردود عند أصحابنا ؛ لما قد ذكر فى معناه من قولهم : إن التاء لا تزاد حشوا إلا
فى (افتعل) وما تصرّف منه ، [و] لغير ذلك ، غير أنى قد وجدت لهذا القول نحوا
ونظيرا. وذلك فيما حكاه الأصمعىّ من قولهم للرجل القوّاد : الكلتبان ، وقال مع ذلك
: هو من الكلب ، وهو القيادة. فقد ترى التاء على هذا زائدة حشوا ، ووزنه فعتلان.
ففى هذا شيئان : أحدهما التسديد من قول أبى عمر ، والآخر إثبات مثال فائت للكتاب.
وأمثل ما يصرف إليه ذلك أن يكون الكلب ثلاثيّا ، والكلتبان رباعيّا ؛ كزرم [٢] وازرأمّ ، وضفد [٣] ، واضفأدّ ، وكزغّب الفرخ وازلغبّ ، ونحو ذلك من
الأصلين الثلاثيّ والرباعىّ ، المتداخلين. وهذا غور عرض ، فقلنا فيه ولنعد.
ومن ذلك أن يرد
اللفظان عن العالم متضادّين على غير هذا الوجه. وهو أن يحكم فى شيء بحكم ما ، ثم
يحكم فيه نفسه بضدّه ، غير أنه لم يعلّل أحد القولين. فينبغى حينئذ أن ينظر إلى
الأليق بالمذهب ، والأجرى على قوانينه ، فيجعل هو المراد المعتزم منهما ، ويتأوّل
الآخر إن أمكن.
وذلك كقوله :
حتّى الناصبة للفعل ، وقد تكرر من قوله أنها حرف من حروف الجرّ ، وهذا ناف لكونها
ناصبة له ، من حيث كانت عوامل الأسماء لا تباشر
[١]هو صالح بن إسحاق
أبو عمر الجرمىّ البصرىّ. قال الخطيب : كان فقيها عالما بالنحو واللغة أخذ النحو
عن الأخفش ويونس ، واللغة عن الأصمعى وأبى عبيدة ، ومات سنة ٢٢٥ ، انظر البغية ٢ /
٨. وانظر اللسان (كلو).