أمّا إذا دلّ
الدليل فإنه لا يجب إيجاد النظير. وذلك مذهب الكتاب ، فإنه حكى فيما جاء على فعل (إبلا)
وحدها ، ولم يمنع الحكم بها عنده أن لم يكن لها نظير ؛ لأن إيجاد النظير بعد قيام
الدليل إنما هو للأنس به ، لا للحاجة إليه.
فأمّا إن لم
يقم دليل فإنك محتاج إلى إيجاد النظير ؛ ألا ترى إلى عزويت ، لمّا لم يقم الدليل
على أن واوه وتاءه أصلان احتجت إلى التعلّل بالنظير ، فمنعت من أن يكون (فعويلا)
لمّا لم تجد له نظيرا ، وحملته على (فعليت) ؛ لوجود النظير ؛ وهو عفريت ونفريت.
وكذلك قال أبو
عثمان فى الردّ على من ادّعى أن (السين) و (سوف) ترفعان الأفعال المضارعة : لم نر
عاملا فى الفعل تدخل عليه اللام ، وقد قال سبحانه (فَلَسَوْفَ
تَعْلَمُونَ) [الشعراء : ٤٩] فجعل عدم النظير ردّا على من أنكر قوله.
وأمّا إن لم
يقم الدليل ولم يوجد النظير فإنك تحكم مع عدم النظير. وذلك كقولك فى الهمزة والنون
من أندلس [١] : إنهما زائدتان ، وإن وزن الكلمة بهما «أنفعل» وإن كان
مثالا لا نظير له. وذلك أن النون لا محالة زائدة ؛ لأنه ليس فى ذوات الخمسة شيء
على (فعللل) فتكون النون فيه أصلا لوقوعها موقع العين ، وإذا ثبت أن النون زائدة
فقد برد فى يدك ثلاثة أحرف أصول ، وهى الدال واللام والسين ، وفى أوّل الكلمة همزة
، ومتى وقع ذلك حكمت بكون الهمزة زائدة ، ولا تكون النون أصلا والهمزة زائدة ؛ لأن
ذوات الأربعة لا تلحقها الزوائد من أوائلها إلا فى الأسماء الجارية على أفعالها ؛
نحو مدحرج وبابه. فقد وجب إذا أن الهمزة والنون زائدتان ، وأن الكلمة بهما على
أنفعل ، وإن كان هذا مثالا لا نظير له.
فإن ضامّ
الدليل النظير فلا مذهب بك عن ذلك ؛ وهذا كنون عنتر. فالدليل يقضى بكونها أصلا ،
لأنها مقابلة لعين جعفر ، والمثال أيضا معك وهو (فعلل) وكذلك القول على بابه.
فاعرف ذلك وقس.
[١] فى اللسان (دلس) «وأندلس
ـ بفتح الهمزة وضم الدال : جزيرة معروفة ، وفى القاموس بضم الهمزة والدال واللام ،
وياقوت بفتح الهمزة وضم الدال وفتحها وضم اللام.