هذا موضع
يستمرّ (النحويّون عليه) ، فيفتق عليهم ما يتعبون بتداركه ، والتعذّر منه. وذلك
كسائل سأل عن قولهم : آسيت الرجل ، فأنا أواسيه ، وآخيته ، فأنا أواخيه ، فقال :
وما أصله؟ فقلت : أؤاسيه ، وأؤاخيه ـ وكذلك نقول ـ فيقول لك : فما علّته فى
التغيير؟ فتقول : اجتمعت الهمزتان ، فقلبت الثانية واوا ؛ لانضمام ما قبلها. وفى
ذلك شيئان : أحدهما أنك لم تستوف ذكر الأصل ، والآخر أنك لم تتقصّ شرح العلّة.
أمّا إخلالك
بذكر حقيقة الأصل فلأن أصله «أؤاسوك» لأنه أفاعلك من الأسوة ، فقلبت الواو ياء
لوقوعها طرفا بعد الكسرة ، وكذلك أؤاخيك أصله «أؤاخوك» لأنه من الأخوّة ، فانقلبت
اللام لما ذكرنا ؛ كما تنقلب فى نحو أعطى واستقصى.
وأمّا تقصّى
علّة تغيير الهمزة بقلبها واوا فالقول فيه أنه اجتمع فى كلمة واحدة همزتان غير
عينين ، (الأولى منهما مضمومة ، والثانية مفتوحة) و (هى) حشو غير طرف ، فاستثقل
ذلك ، فقلبت الثانية على حركة ما قبلها ـ وهى الضمّة ـ واوا.
ولا بدّ من ذكر
جميع ذلك ، وإلا أخللت ؛ ألا ترى أنك قد تجمع فى الكلمة الواحدة بين همزتين فتكونان
عينين ، فلا تغيّر ذلك ؛ وذلك نحو سآل ورءاس ، وكبنائك من سألت نحو تبّع ، فتقول :
«سؤّل» فتصحّان لأنهما عينان ، ألا ترى أن لو بنيت من قرأت مثل «جرشع» [٢] لقلت «قرء» وأصله قرؤؤ ، فقلبت الثانية ياء ، وإن كانت
قبلها همزة مضمومة ، وكانتا فى كلمة واحدة ، لمّا كانت الثانية منهما طرفا لا
حشوا. وكذلك أيضا ذكرك كونهما فى كلمة واحدة ؛ ألا ترى أن من العرب من يحقّق
الهمزتين إذا كانتا من كلمتين ؛ نحو قول الله تعالى : (السُّفَهاءُ
[١] الإدراج فى اللغة
: لفّ الشىء فى الشىء ، ودرج الكتاب : طيّه وأدرجت الكتاب إذا طويته. وانظر اللسان
(درج).
[٢] الجرشع : العظيم
الصدر ، وقيل الطويل. اللسان (جرشع).