اعلم أن محصول
مذهب أصحابنا ومتصرّف أقوالهم مبنىّ على جواز تخصيص العلل. وذلك أنها وإن تقدّمت
علل الفقه فإنها أو أكثرها إنما تجرى مجرى التخفيف والفرق ، ولو تكلّف متكلّف نقضها
لكان ذلك ممكنا ، ـ وإن كان على غير قياس ـ ومستثقلا ؛ ألا تراك لو تكلّفت تصحيح
فاء ميزان ، وميعاد ، لقدرت على ذلك ، فقلت : موزان ، وموعاد. وكذلك لو آثرت تصحيح
فاء موسر ، وموقن ، لقدرت على ذلك فقلت : ميسر ، وميقن. وكذلك لو نصبت الفاعل ،
ورفعت المفعول ، أو ألغيت العوامل : من الجوارّ ، والنواصب ، والجوازم ، لكنت
مقتدرا على النطق بذلك ، وإن نفى القياس تلك الحال. وليست كذلك علل المتكلّمين ؛
لأنها لا قدرة على غيرها ؛ ألا ترى أن اجتماع السواد والبياض فى محلّ واحد ممتنع
لا مستكره ، وكون الجسم متحرّكا ساكنا فى حال واحدة فاسد. لا طريق إلى ظهوره ، ولا
إلى تصوّره. وكذلك ما كان من هذا القبيل. فقد ثبت بذلك تأخّر علل النحويين عن علل
المتكلمين ، وإن تقدّمت علل المتفقّهين. ثم اعلم من بعد هذا أن علل النحويين على
ضربين :
أحدهما ما لا
بدّ منه ، فهو لا حق بعلل المتكلمين ، وهو قلب الألف واوا لانضمام ما قبلها ، وياء
لانكسار ما قبلها ؛ نحو ضورب ، وقراطيس ، وقد تقدّم ذكره. ومن ذلك امتناع الابتداء
بالساكن ؛ وقد تقدّم ما فيه.
ثم يبقى النظر
فيما بعد ، فنقول : إن هذه العلل التى يجوز تخصيصها ، كصحة الواو إذا اجتمعت مع
الياء ، وسبقت الأولى منهما بالسكون ؛ نحو حيوة ، وعوى الكلب عوية ، ونحو صحّة
الواو ، والياء ، فى نحو غزوا ، ورميا ، والنزوان ، والغليان ، وصحّة الواو فى نحو
اجتوروا ، واعتونوا ، واهتوشوا ، إنما اضطرّ القائل
[١] تخصيص العلة : هو
تخلف الحكم عن الوصف المدّعى عليه فى بعض الصور لمانع ، فيقال : الاستحسان ليس من
باب خصوص العلل يعنى ليس بدليل مخصص للقياس بل عدم حكم القياس لعدم العلة.
التعريفات ص ٥٤.