اسم الکتاب : محك النظر المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 110
منهي عنه فاسد فيترك
المقدمة الممنوعة. وأما مثال ما يترك لأجل التلبيس فأن تقول فلان خائن في حقك
فيقال لم فيقول لأنه يناجي عدوك ، وتمامه أن يقول كل من يناجي العدو فهو خائن وهذا
يناجي العدو فهو خائن ، ولكن ترك مقدمة الحكم فإنه لو صرح به ربما يذكر أنه ربما يناجي
العدو ليخدعه أو يستميله أو ينصحه ، ولا يسلّم أن كل من يناجي العدو فهو خائن
فيترك ذلك حتى لا يتذكر محل الكذب ، وربما يترك مقدمة المحكوم عليه فيقول لا تخالط
فلانا فيقال لم فيقول لأن الحسّاد لا تؤمن مخالطتهم. وتمامه أن نقول الحسّاد لا
يخالطون وهذا حاسد فينبغي أن لا يخالط ، فتركت مقدمة المحكوم عليه وهو قولك هذا
حاسد وكل من يقصد التلبيس في المجادلات فطريقه إهمال إحدى المقدمتين إيهاما بأنه
واضح وربما يكون الكذب فيه أو استغفالا للخصم واستجهالا له ، فإنه ربما يتنبّه
للحاجة إلى المقدمة الثانية. وهذا كله أمثلة النظم الأول ، وقد يقع في غيره أيضا. كمن
يقول مثلا كل شجاع ظالم فيقال لم فيقول لأن الحجّاج [١] كان شجاعا وظالما ، فهذا تمامه أن يقول
الحجّاج شجاع والحجّاج ظالم. فكل شجاع ظالم وهو غير منتج لأنه طلب نتيجة عامة من
النظم الثالث ، وقد ثبت أن النظم الثالث لا ينتج إلا قضية خاصة ، وإنما كان من
النظم الثالث لأن العلة هي الحجّاج ، فإنه متكرر في المقدمتين ولا يلزم منه إلا أن
بعض الشجعان ظلمة ، أما الكل فغير لازم. وكذلك يقول العامي المتفقهة سيئة الآداب والمتصوفة
كلهم فسقة ، فيقال لم فيقول لأني رأيت متصوفة الرباط الفلاني ومتفقهة المدرسة
الفلانية يفعلون كيت وكيت وهو خطأ لأنه طلب نتيجة عامة من النظم الثالث وهو محال ،
وبالجملة مهما كانت العلة أخص من الحكم والمحكوم عليه في النتيجة لم يلزم إلا
نتيجة جزئية ، وهو معنى
[١] الحجّاج بن يوسف
الثقفي عامل الأمويين على العراق والمشهور ببطشه النصف الثاني من القرن الأول
الهجري.
اسم الکتاب : محك النظر المؤلف : الغزالي، أبو حامد الجزء : 1 صفحة : 110