فلمَّا رأى ابن زياد ، في شمر غلوَّاً
في عداء الحسين (عليه السّلام) وشَوقاً إلى حربه ، قال له : نِعمَ ما رأيت ، والرأي
رأيك ، أُخرج بكتابي إلى ابن سعد ، فإنْ أطاعني فأطِعه ، وإلاَّ فأنت أمير الجيش ،
واضرب عُنقه. وكتب إلى عمر كتاباً يقول فيه : إنِّي لم أبعثك إلى الحسين شَفيعاً ،
ولا لتُمنِّيه السّلامة ، ولا لتَعتذر عنه ، فإنْ نزل هو وأصحابه على حُكمي ؛
فابعث بهم إليَّ ، وإلاَّ فازحف عليهم واقتلهم ، ومَثِّل بهم ؛ فإنَّهم بذلك
مُستحقِّون ، وإنْ قَتلت حسيناً ، فأوطئ الخيل صَدره وظهره ؛ فإنَّه عاقٌّ ظَلوم ،
ولستُ أرى أنَّ هذا يَضرُّ بعد الموت شيئاً ، ولكنْ على قول قد قلته ، إلى آخره.
جاء شمر بكتابه إلى ابن سعد ـ والرجُل
السوء يأتي بالخبر السوء ـ ، فلمَّا قرأ ابن سعد كتاب أميره ، وتلقَّى أسوأ
التعاليم مِن نَذيره ، تَغيَّر وجهه ، وقال : لعنك الله يا شمر ، لقد أفسدتَ علينا
أمراً كُنَّا نرجو إصلاحه.
لكنَّما ابن سعد ، بعدما حَسِب شمراً
رَقيباً عليه ، ومُهدِّداً له تَجاهر ، إذ ذاك بلزوم إخضاع حسين العُلا ، فتبدَّلت
منه لهَجته ، وفِكرته ، وهَيئته ؛ فانتقل بجنوده إلى مَقرُبةٍ مِن الحسين (عليه
السّلام) ، وثلَّث جِباه الحرب ، فصار هو في القلب بين الحِير والنهر ؛ لصدّ
الحسين (عليه السّلام) مِن عبور النهر ، ومِن الورود منه ، فإذا وجد الحسين (عليه
السّلام) سُبل سَيره مَقطوعة ، ومَشارع وروده مَمنوعة ، اضطرَّ إلى النِّزال معهم
، أو النزول على حُكمهم ، وهم واثقون مِن الغَلبة عليه في الحالين معاً.