إنَّ عوامل اليأس التي تبعت نَعي مسلم ،
وسوء صَنيع الكوفة به ، لم تؤثِّر في عزيمة الحسين (عليه السّلام) ، ولا ما بلغه
مِن فاحش فعلهم برسولَيه عبد الله بن يقطر ، وقيس بن مُسهَّر الصيداوي ، ولا ما
رآه في مُلتقاه بجيش الحُرّ ؛ لأنَّ داعي الحَقِّ لا يَقنط مِن رَوح الله ؛
ولكنَّما جيش الكوفة ، هو الذي صَدَّه وصرف بوجهه عنها ، وعن كلِّ آماله فيها ، فسلك
ركبَه وموكبه سَبيلاً وَسطاً لا يدرون الغاية ، ولا يعرفون النهاية ، والحُرّ
يُساير الإمام ؛ كي يُخرجه عن حدود أميره ؛ حتَّى يَعود إليه ببشارة تؤمِّن باله ،
وتُطمِّن خَياله.
ويُخيَّل للناظر في الحركة الحسينيَّة ،
أنَّ في خُلد الإمام أنْ يَعبر الفرات إلى الأنبار ، أو المدائن عسى أنْ يَجد لدعوته
أنصاراً وشيعة وبيئة وَسيعة ، فبينا هم والحُرّ في تَيامُن وتَياسُر ، إذ لحقهم
راكب مُتنكِّب قوسه ، فسلَّم على الحرّ وأصحابه ، ودفع إليه كتاب ابن زياد ، فقرأه
الحُرّ على الحسين (عليه السّلام) ، وإذا فيه :
«أمَّا بعد ، فجَعْجِع بالحسين حين
يَبلغك كتابي هذا ، ولا تتركه إلاَّ