كانت خُطَّة الحسين (عليه السّلام) ، إلى
حين تواتر الرُّسل والكتب إليه ، خُطَّة دفاعٍ عن نفسه ، والالتجاء مِن آثام بيعة
يزيد إلى مَلجأ حَصين. غير إنَّ صَريخ البلاد والعباد ، وهِتاف الأنصار والأمصار
به وله ، وإليه حولا فِكره مِن دفاع مَحدود ، إلى دفاع وسيع النِّطاق ، رجاء نُصرة
الدين ، ودفع عادية الظلمة عن المسلمين ، فاستخار الله ، وندب إلى العراق ، بعدما
أرسل إليهم ليث بني عقيل ، مُسلماً ابن عمِّه ، حتَّى إذا وجدهم على ما كتبوا إليه
، توجَّه إليهم بنفسه وأهله ، وكان مسلم كبقيَّة آل علي (عليه السّلام) ، رجُلَ
الصدق والصَفاء ، ومِثال الشجاعة والإيمان ، فقام لأمر صِهره وسيّده الحسين (عليه
السّلام) ، وما قَدِم الكوفة إلاَّ وتكوَّفت جماهير الرؤساء لأخذ يمينه ؛
يُبايعونه نائباً عن الحسين ، وقد كان لآل علي (عليه السّلام) ، وفي صدورهم عِتاب
مع أهل الكوفة ، في خُذلانهم الحسن بن علي (عليهما السلام) ، واغترارهم بدراهم
معاوية ، لكنْ حُسْن استقبالهم لمسلم مَحى كلَّ عِتاب ، وكفَّر كلَّ ذنبٍ ، سيَّما
وإنَّ الكرام سريعو الرضا ، والمُصلِح لا يَحفظ غِلاً أو حِقداً.