سار الحسين مِن حَرم جَدِّه ، ولم يقتصر
في الوداع على قبره الطاهر ؛ إذ المُسافِر يوادِع مِن وطنه المَحبوب ، كلَّما وقع
نظره عليه : مِن أصحاب ، وأحباب ، وغيرهم ، حتَّى الماء والتراب ، أمّا ركب الحسين
(عليه السّلام) ، فكانوا يوادعون الربوع وداعَ مَن لا يأمل الرجوع.
خرج الحسين (عليه السّلام) مِن حَرم
جَدِّه (صلَّى الله عليه وآله) خائفاً يترقَّب ، يُناجي ربَّه ؛ ليُنجيه مِن فراعنة
مَصره ، ونماردة عصره ، ذِكراه رحمة ربِّه ، ومَبدؤه خوف ربِّه ، وغايته بيت ربِّه
، سائراً في المَنهج الأكبر (أيْ الشارع السلطاني).
فقيل له : «لو تَنكَّبت الطريق ، كما
فعل ابن الزبير ؛ لئلا يلحقك الطلب».
فقال : «لا والله ، لا أُفارق الطريق
الأقوم ، حتَّى يقضى الله ما هو قاضٍ». ونزل مَكَّة يوم الجمعة ثالث شعبان ، وهو
يتلو : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ
عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ).