غريب والله ، أنَّ يزيد المشهور
بالسّفاسف والفُجور ، يُريد التقمُّص لخِلافة النبي محمّد (صلَّى الله عليه وآله) المبعوث
لتكميل مَكارم الأخلاق ، وذلك في حياة الحسين (عليه السّلام) ابن ذاك النبي وحبيبه
، فيزيد يعلم نفسيَّة الحسين ، ويعلم أنَّ صدر الحسين (عليه السّلام) أصبح
بُركاناً قريب الانفجار ، ومع ذلك لا يقنع بسكونه وسكوته عمَّا هو فيه ، بلْ يُريد
منه ـ فوق ذلك كلِّه أنْ يعترِف له بالخلافة عن الرسول ، وهل ذاك إلاَّ رابع
المُستحيلات ، فإنَّ اعتراف الحسين (عليه السّلام) بخِلافة يزيد ، عُبارة أُخرى عن
أنّ الحسين ليس بالحسين ، أيْ أنَّ معنى قبوله البيعة ليزيد ، بيعُ دين جَدِّه ، وكلِّ
مَجْده ، وكلُّ شعور شريف للعرب ، وكلُّ حَقٍّ للمسلمين ، وكلُّ آمال لقومه يبيعها
جمعاء برضى يزيد عليه ، وهذا مُحال على الحسين (عليه السّلام) ، وعلى كلِّ أبطال
الفضائل ؛ فإنَّ قبوله بيعة يزيد ، عُبارة أُخرى عن اعترافه بتساوي الفضيلة
والرذيلة ، واستواء العدل والظلم ، واتِّحاد الحَقِّ والباطل ، وتماثُل النور
والظلام ، وأنَّ العلم والجهل مُستويان ،