لكنَّ الذي نعلمه ، أنّ أبا سُفيان لم
يكنْ مِن الأنصار ، ولا مِن المُهاجرين عندما قالا : مِنَّا أمير ، ومِنكم أمير ، حتَّى
يَحْسَب لنفسه حِساباً ، في التحيُّز إلى طرفٍ بالصراحة ، ورأى انضمامه إلى أضعف
الأحزاب ، أيْ حزب علي (عليه السّلام) ، أقرب إلى مَقصده مِن إيجاد موازنة في
القِوى ، وخَلْق عراقيلَ تكاد تمنع مِن حَسْم الخِلاف ، فجاء عليَّاً قائلاً له : لو
شِئت مَلأتُها لك خَيلاً ورجالاً ، وعليٌّ (عليه السّلام) يومئذٍ ، يَطرق الأبواب
على المُهاجرين والأنصار ، يتمنَّى ناصراً لقضيِّته ، فلو كان مِمّن يَضيع رُشده
بالمواعيد الخَلاَّبة ، لاغتنم مِن أبي سُفيان هذا الاستعراض ، ولكنَّ الإمام عرف
سوء قَصده ـ وقصدُه الصيد في الماء العَكِر ـ فأجابه بالردِّ والاستنكار ، قائلاً
: «مَهْ يا أبا سُفيان ، أجاهليَّة وإسلاماً؟!» ، أيْ : إنَّك تتربَّص دوائر السوء
بدين محمّد (صلَّى الله عليه وآله) في عَهديك ، عَهد الجاهليَّة ، وعهد الإسلام ، وتَفرَّس
سوء مَرامه مِن كلامه) ، وإنَّه انتهز فُرصة الخِلاف مِن حاشية النبي (صلَّى الله
عليه وآله) ، وقصد احتلال مدينة الرسول ، عاصمة الإسلام بحُجَّة