حتَّى حانت ساعة
القيام بأصدق المُظاهرات الدينيَّة ، وهي ساعة الصلاة الشمس ، في الهاجِرة مِن
ظهيرة اليوم العاشر مِن مُحرَّم ، ولم يَكُ الحسين (عليه السّلام) مِمَّن ينسى ، أو
يَتناسى الصلاة المَوقوتة ، ولو في أحرج ساعاته ، قدوةً بأبيه عليٍّ (عليه السّلام)
رجُل الإيمان ؛ فإنَّه لم يؤخِّر صلاته ، في أحرج ساعات الوغى ليلة الهَرير في
صِفِّين ، فصَفّ قدميه لوجه الله مُصلِّياً ، والحرب ثائرة مِن حوله ، ودائرة ، ولمّا
لاموه عليها أجاب : «ألسنا نُحارب لإقامة الصلاة؟».
كذلك ابنه الحسين (عليه السّلام) ـ
والشبل مِن ذاك الأسد ـ فاهتمَّ بها عندما صاح مُؤذِّنه أبو ثمامة الصائدي ، وصلَّى
بأصحابه ، ولكنْ صلاة الخوف ، وسهام الأعداء تَتْرى عليه ، بالرغم مِن استمهالهم.
أيخشى الإمام (عليه السّلام) قتله في
الصلاة ، وقد مضى أبوه قَتيلاً في مِحرابه؟! أمْ يَخشى الموت صحبه ، وهم يتسابقون
إليه تسابق الجياع إلى القِصاع؟! ويُحبِّذون الموت بوجه الله ، وفي سبيله مع ابن
رسول (صلَّى الله عليه وآله)؟!
ولقد كانت صلاة الحسين (عليه السّلام) مِن
أصدق مَظاهر إخلاصه لله ، وتمسُّكه بالشريعة ، وبَعيدةً عن كلِّ شُبهة أو شائبة.
وإذا كانت المُظاهرات الحسينيَّة ، تكشف
مساوئ أخلاق أعدائه ، ومبلغ حِرمانهم مِن الإنسانيَّة ، فإنَّ مُظاهرة صلاة الخوف
بين أولئك المُعارضين ، برهنت على سوء نيَّة العدوِّ ، واستهانته بشريعة الإسلام ،
فهي إنْ لم تُبطِل سِحر العدوِّ في أعيُن الناظرين ، فقد أبلغت حُجَّة الحسين (عليه
السّلام) إلى مسامع الغائبين ؛ حيث إنَّ العدوّ كان مُتذرِّعاً بحبائل الدين ضِدَّ
الدعوة الحسينيَّة ، يوهم البسطاء والحُمقاء