فقال الحُرُّ : أنا لك فارس ، خيرٌ
مِنِّي راجل ، أُقاتلهم لك على فرسي ساعة ، ويصير النزول آخِر أمري.
فقال له الحسين (عليه السّلام) : «فاصنع
ـ يَرحمك الله ـ ما بدا لك».
قابل الحُرّ بعدئذٍ جيش ابن سعد ، وصاح
بهم : يا أهل الكوفة ، لأُمِّكم الهَبَل [١]
؛ دعوتم هذا العبد الصالح لتنصروه ، حتَّى إذا جاءكم أسلمتموه ، وكتبتم إليه
أنَّكم قاتلوأنفسكم دونه ، ثمَّ عدوتم عليه تقاتلونه ، وأمسكتم بنفسه ، وأخذتم
بكَظمه ، وأحطتم به مِن كلِّ جانب ؛ لتمنعوه التوجُّه في بلاد الله العريضة ؛ فصار
كالأسير في أيديكم ، لا يَملك لنفسه نَفعاً ولا يَدفع عنها ضرَّاً ، وحلأتموه
ونساءه وصِبيَته عن ماء الفرات الجاري ، تَشربه اليهود والنصارى والمَجوس ، وتَمرغ
فيه خنازير السواد وكلابه ، فها هم قد صرعهم العطش ، بِئسَ ما خَلَّفتم محمّداً في
ذُريَّته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ).
فساد القوم سُكوت ، كأنَّ على رؤوسهم
الطير ، ثمَّ لم يُجيبوه بسِوى النِّبال ، فحمل عليهم ، وهو يَرتجز ويقول :
إنِّي أنا الحُرُّ ومأوى الضيف
أضربكم ولا أرى مِن حَيف
وقاتلهم قتالاً شَديد ، حتَّى عقروا
فرسه ، وتكاثروا عليه ، فلم يزل يُحاربهم ، وهو راجل ، حتَّى أثخنوه بالجراح وصرعوه
، فنادى :
«السّلام عليك يا أبا عبد الله».
وقد أبَّنه الإمام (عليه السّلام) بقوله
: «أنت ـ كما سمَّتك أُمُّك ـ حُرٌّ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة» ؛ فطوبى له وحسن
مآب.