..... _____________________________ و من العقل: أنّ التکلیف الحرجی قبیح لدی العقلاء، و کلّ قبیح محال علیه تعالی. إن
قیل: إنّ التکلیف مطلقا من الکلفة و المشقة خصوصا بعض مراتبه کالجهاد و
القتل بالسیف، و الصوم فی هاجر الصیف و نحوهما، فکیف لم یجعل الحرج فی
الدین. یقال: إنّ التکالیف الإلهیة مطلقا بالنسبة إلی النفوس و الأرواح
کالمعالجات الجسمانیة بالنسبة إلی الأبدان و الأجساد، و کتحمل المشاق غیر
المتعارفة للوصول إلی المقامات العالیة، فلو توقف حفظ حیاة الشخص أو النوع
علی قطع عضو من أعضائه لا یتوهم أحد بأنّه حرج، بل یجب بحکم الفطرة، و کذا
لو توقفت حیازة مقام رفیع علی تحمل ما هو خلاف المتعارف لا یکون ذلک من
الحرج، إذ الوصول إلی المقامات العالیة لا یکون إلّا بتحمل المشاق و
الصعوبات، فکذا الکلام فی التکالیف الإلهیة التی تکون أسبابا للوصول إلی
المقامات المعنویة. ثمَّ إنّ العلماء (قدّست أسرارهم) قد أطالوا القول
فی مفاد مثل قاعدتی الحرج و الضرر من أنّه هل یکون النفی عین النّهی، أو
أنّه رفع الحکم برفع الموضوع، أو أنّ المنفی الحرج و الضرر غیر المتدارک. و
الکلّ أجنبیّ عن لسان الکتاب و السنّة الوارد علی طبق الأذهان الساذجة
العرفیة، و إذا عرضناهما علی ذوی الأذهان المستقیمة یحکمون بأنّ المراد
تنزه ساحة الشرع الأقدس عن جعل الحکم الحرجی و الضرری مطلقا، کتنزهه عن جعل
اللغو و الباطل کذلک. ثمَّ إنّ لهم نزاعا آخر و هو: أنّ تقدم مثل قاعدة
نفی الحرج علی الأحکام مطلقا- أولیة کانت أو ثانویة- بنحو الحکومة أو
التخصیص، و علی الأول هل هی واقعیة أی التی تزیل الملاک أصلا عن المحکوم،
أو الظاهریة: أی التی ترفع الإلزام فقط، و لا ثمرة عملیة فی هذا النزاع،
کما اعترف به بعض مشایخنا الفحول فی بحث الأصول (قدّس اللّه سرّهم)، بل و
لا اسم من الحکومة فی کتب المتقدمین بل و لا المتأخرین و إنّما حدث فیما
قارب عصرنا و أطیل القول فیه. و المرجع هو العرف، فإنّه إذا عرضنا علیهم
أدلة الأحکام الأولیة مع مثل قاعدة الحرج یحکمون بالفطرة بتقدم الثانیة
علی الأولی، لأنّ مثل هذه القاعدة من