(مسألة) : فإن قيل : ما العذر في خروجه
عليه السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة والمستولى عليها أعداؤه ، والمتامر
فيها من قبل يزيد منبسط الامر والنهي ، وقد رأى عليه السلام صنع أهل الكوفة بأبيه
وأخيه ، وأنهم غدارون خوانون ، وكيف خالف ظنه ظن جميع أصحابه في الخروج وابن عباس
يشير بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه ، وابن عمر لما ودعه يقول استودعك
الله من قتيل ، إلى غير ما ذكرناه ممن تكلم في هذا الباب. ثم لما علم بقتل مسلم بن
عقيل (رضي) وقد انفذه رائدا له ، كيف لم يرجع لما علم الغرور من القوم وتفطن
بالحيلة والمكيدة ، ثم كيف استجاز ان يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها ، لها
مواد كثيرة. ثم لما عرض عليه ابن زياد الامان وأن يبايع يزيد ، كيف لم يستجب حقنا
لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه. ولم القى بيده إلى التهلكة وبدون هذا
الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الامر إلى معاوية ، فكيف يجمع بين فعليهما
بالصحة؟ (الجواب) : قلنا قد علما أن الامام متى غلب في ظنه يصل إلى حقه والقيام
بما فوض إليه بضرب من الفعل ، وجب عليه ذلك وان كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها
تحملها ، وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام لم يسر طالبا للكوفة الا بعد توثق من
القوم وعهود وعقود ، وبعد ان كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير
مجيبين. وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة واشرافها وقرائها ، تقدمت إليه في
أيام معاوية وبعد الصلح الواقع بينه وبين الحسن (عليه السلام) فدفعهم وقال في
الجواب ما وجب. ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن (عليه السلام) ومعاوية باق فوعدهم ومناهم
، وكانت أياما صعبة لا يطمع في مثلها. فلما مضى معاوية وأعادوا المكاتبة بذلوا
الطاعة وكرروا