ذلك قادحا في عدالته
وخافضا في منزلته ، وما يؤثر في منزلة احدنا اولى من ان يؤثر في منازل من طهره
الله وعصمه وأكمله وأعلى منزلته. وهذا بين لمن تدبره. تنزيه سيدنا محمد عن معاتبته
في الاسرى : (مسألة) : فإن قيل : فما معنى قوله تعالى :(ما
كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة
والله عزيز حكيم).
وقوله : (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم
عذاب عظيم)
أو ليس هذا يقتضي عتابه على استبقاء الاسارى وأخذ عرض الدنيا عوض عن قتلهم؟. (الجواب)
: قلنا ليس في ظاهر الآية ما يدل على انه صلى الله عليه وآله عوتب في شأن الاسارى
، بل لو قيل ان الظاهر يقتضي توجه الآية إلى غيره لكان اولى ، لان قوله تعالى :(تريدون
عرض الدنيا والله يريد الآخرة)
، وقوله تعالى :(ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما
اخذتم عذاب عظيم)
، لا شك أنه لغيره ، فيجب ان يكون المعاتب سواه. والقصة في هذا الباب معروفة
والرواية بها متظافرة ، لان الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وآله بأن يأمر
اصحابه بأن يثخنوا في قتل اعدائهم بقوله تعالى :(فاضروا
فوق الاعناق واضربوا منهم كل بنان)
وبلغ النبي صلى الله عليه وآله ذلك إلى أصحابه فخالفوه ، وأسروا يوم بدر جماعة من
المشركين طمعا في الفداء ، فأنكر الله تعالى ذلك عليهم وبين ان الذي أمر به سواه.
فإن قيل : فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله خارجا عن العتاب فما معنى قوله تعالى
:(ما كان لنبي ان يكون له اسرى)؟ قلنا : الوجه في ذلك لان الاصحاب انما
اسروهم ليكونوا في يده صلى الله عليه وآله. فهم اسراؤه على الحقيقة ومضافون إليه ،
وإن كان لم يأمرهم بأسرهم بل أمر بخلافه. فان قيل : افما شاهدهم النبي صلى الله
عليه وآله وقت الاسر فكيف لم ينههم عنه؟. قلنا : ليس يجب ان يكون عليه السلام
مشاهدا لحال الاسر ، لانه كان على ما وردت به الرواية يوم بدر جالسا في العريش ، ولما
تباعد أصحابه عنه اسروا من اسروه من المشركين