اسم الکتاب : تنزيه الأنبياء عمّا نسب إليهم حثالة الأغبياء المؤلف : ابن خمير الجزء : 1 صفحة : 45
وأمّا
قوله للخصم : (لَقَدْ ظَلَمَكَ
بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) ففيه اعتراض من وجه آخر نتخلّص منه ونرجع إلى ما نحن
بسبيله.
قالوا
: كيف يكون داود ـ عليهالسلام ـ من خلف الله في أرضه ويقطع على الظّلم بقول الواحد قبل أن يسمع قول الآخر؟.
فالجواب
عن هذا يتصوّر من وجهين : أحدهما : أنه سمع من الآخر حجّة لا تخلّصه ، فقال للأوّل : (لَقَدْ
ظَلَمَكَ) أو صدّقه الآخر في قوله ، فقال للأوّل : (لَقَدْ
ظَلَمَكَ).
والثاني
أن يقول : (لَقَدْ
ظَلَمَكَ) بإضمار «إن كان حقّا ما تقول». وهذا سائغ. وأما أن يقول له
: (لَقَدْ ظَلَمَكَ) من غير أن يسمع
حجّة الآخر ، فهذا لا نسوّغه في حقّ عاقل منصف ، فكيف في حقّ من آتاه الله الحكمة
وفصل الخطاب؟!.
ألا ترى موقف
يعقوب ـ عليهالسلام ـ لمّا جاءه بنوه عشيّا يبكون وهم جماعة فقالوا ما قالوا ،
فقال : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) [يوسف : ١٢ / ١٨] ، ولم يقبل أقوالهم ولا دموعهم بغير دليل
، فكيف يقبل داود عليهالسلام قول الخصم من غير حجّة ، حتّى يقول له : (لَقَدْ
ظَلَمَكَ)؟ هذا لا يصحّ في حقّه.
وأمّا قوله للخصم
: (لَقَدْ ظَلَمَكَ) ، فعنى به : بخسك
وغبنك في قول كان غيره من المباحات أولى بك منه. وحدّ الظّلم في اللّسان : وضع
الشّيء في غير موضعه. وقد قدّمنا أنّ قول قائل لغيره : أكفلني زوجك ، ليس بظلم
منهيّ عنه شرعا ، فلم يبق إلاّ ما ذكرناه في حقّه.