اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 76
المجلس الرابع والثلاثون
لمّا عزم الحسين (ع) على الخروج من مكّة
إلى العراق ، قام خطيباً في أصحابه فقال : «الحمدُ لله وما شاء الله ولا قوّة إلاّ
بالله ، وصلّى الله على رسوله ، خُطَّ الموتُ على وُلد آدمَ مَخَطَّ القَلادةِ على
جيد الفتاةِ ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياقُ يعقوبَ إلى يوسفَ ، وخُيّر لي مصرعٌ
أنا لاقيه ، كأنّي بأوصالي تُقطّعها عَسْلانُ [١]
الفلوات بين النّواويس وكربلاء ، فيملأنَّ منّي أكراشاً جوفاً وأجربةً سغباً ، لا
مَحيصَ عن يومٍ خُطّ بالقَلَمْ ، رِضَى اللهُ رضانا أهلَ البيتِ ، نصبرُ على
بلائِهِ ويُوفّينا أجورَ الصّابرين ، لنْ تَشُذَّ عن رسول اللهِ لَحمتُهُ ، بل هي
مجموعةٌ لهُ في حظيرةِ القُدْسِ ، تُقرُّ بِهمْ عينُه ويُنجزُ بهم وعدَه. مَنْ كان
باذلاً فينا مُهجَتَه ، ومُوَطِّناً على لقاءِ اللهِ نفسَه فليرحل معنا ، فإنّني
راحلٌ مُصبحاً إنْشاءَ اللهُ تعالى». ثمّ ارتحل. وألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه
عون ومحمّد ، وكتب على أيديهما إليه كتاباً يقول فيه : أمّا بعد ، فإنّي أسألك
بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي ، فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي توجّهت له
أنْ يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، وإنْ هلكت اليوم اُطفئ نور الأرض ، فإنّك
علم المهتدين ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالمسير فإنّي في أثر كتابي ، والسّلام. وصار
عبد الله إلى عمرو بن سعيد فسأله أنْ يكتب للحسين (ع) أماناً ويمنّيه البِر والصلة
، فكتب له وأنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبدالله بن جعفر ـ بعد نفوذ
ابنيه ـ وجهدا به في الرجوع ، فقال (ع) : «إنّي رأيت رسول الله (ص) في المنام
وأمرني بما أنا ماض له». فقالا له : فما تلك الرؤيا؟ فقال (ع) : «ما حدّثت بها
أحداً حتّى ألقى ربّي عزّ وجلّ» ،
[١] في إبصار العين
: عسلان ، بضمّ العين وسكون السين : جمع عاسل ، وهو المهتزّ المضطرب. ويُقال للرمح
والذئب ، والمراد الثاني اهـ. أقول : لم يذكر أحد من أهل اللغة أنّ عاسلاً يجمع
على عسلان ، والظاهر أنّ عسلان بالتحريك ، مصدر عسل الذئب إذا اضطرب في عدوه وهزّ
رأسه ؛ ونسبة التقطيع إلى العسلان مجاز عقلي من باب الإسناد إلى السبب على حذف
المضاف : أي يقطعها عسلان ذئاب الفلوات. ـ المؤلّف ـ
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 76