اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 570
المجلس السّادس والعشرون بعد
المئتين
كان الحسين (ع) سيّد أهل زمانه ، وأفضلهم
في علمه وعبادته وشدّة خوفه من الله تعالى وكرمه وسخائه ، ورأفته بالفقراء
والمساكين وإحسانه إليهم ، وتواضعه وحلمه ، وفصاحته وبلاغته ، وغير ذلك في صفات
الكمال. أمّا إباؤه للضيم ، ومقاومته للظُلم ، وعدم مبالاته بالقتل في سبيل الحقّ
والعز ، فقد ضُربت به الأمثال ، وسارت به الرّكبان ، ومُلئت به المؤلّفات ، وخطبت
به الخُطباء ونظمته الشُعراء. وكان قدوة لكلِّ أبيٍّ ، ومثالاً يتبعه كلُّ ذي نفس
عالية وهمّة سامية ، وكان فعلُه منوالاً ينسج عليه أهل الإباء في كلّ عصر وزمان ، وطريقاً
يسلكه كلُّ مَن أبتْ نفسه الرّضا بالدنيَّة ، وتحمّل الذّل والخنوع للظلم. وقد أتى
الحسين (ع) في ذلك بما حيّر العقول وأذهل الألباب ، وأدهش النّفوس وملأ القلوب
هيبة وروعة ، وأعيا الاُمم عن أنْ يُشاركه مشارك فيه ، وأعجز العالم أنْ يشابهه
أحد في ذلك أو يضاهيه ، واُعجب به أهل كلِّ عصر ، وبقي ذكره خالداً ما بقي الدّهر.
أبى أنْ يُبايع يزيدَ بن معاوية السكّير الخمّير ، صاحب القيان والطّنابير ، واللاعب
بالقرود والفهود ، والمُجاهر بالكفر والإلحاد والاستهانة بالدّين ، قائلاً لمروان
حين أشار عليه ببيعة يزيد : «وعلى الإسلام السّلام ؛ إذ قد بُليت الاُمّة براع مثل
يزيد». وقائلاً لإخيه محمَّد بن الحنفيّة : «والله ، لو لم يكن في الدُّنيا ملجأٌ
ولا مأوى ، لَما بايعتُ يزيدَ بن معاوية». في حين أنْ لو بايعه لنال من الدُّنيا
الحظَّ الأوفر والنّصيب الأوفى ، ولكان مُعظَّماً مُحترماً عنده ، مرعيَ الجانب
محفوظَ المقام ، لا يردُّ له طلب ولا تُخالف له إرادة ؛ لِما كان يعلمه يزيد من
مكانته بين المسلمين ، وما كان يتخوفه من مخالفته له ، وما سبق من تحذير أبيه
معاوية له من الحسين (ع). فكان يبذل في إرضائه كلَّ رخيص وغالٍ ، ولكنّه أبى
الانقياد له ، قائلاً : «إنّا أهل بيت النّبوّة ومعدن الرّسالة ومختلف الملائكة ، بنا
فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النّفس المحترمة ، ومثلي لا
يُبايع مثله». فخرج من المدينة بأهل بيته وعياله وأولاده ، مُلازماً للطَّريق
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 570