اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 551
يرعد ويبرق عن سحابة
جفل [١] لا ماء فيها
، وعمّا قليل تُصيّرها الرّياح فزعاً [٢]
، كيف أرهبه وبيني وبينه ابن بنت رسول الله (ص) (يعني : الحسن (ع)) ، وابن ابن
عمّه في مئة ألف من المهاجرين والأنصار؟! والله ، لو أذن لي فيه أو ندبني إليه
لأريته الكواكب نهاراً. الكلام اليوم ، والجمع غداً والمشورة بعد ذلك إن شاء الله.
ثمّ نزل وكتب إلى معاوية : أمّا بعد ، فقد وصل إليّ كتابك يا معاوية ، وفهمت ما
فيه ، فوجدتك كالغريق يُغطّيه الموج فيتشبث بالطُحلُب [٣] (وهو : الخضرة التي تعلو الماء المزن) ويتعلّق
بأرجل الضّفادع طمعاً في الحياة ، فامض الآن لطيّتك [٤] واجتهد جهدك ، ولا أجتهد إلاّ فيما
يسوؤك ، والسّلام. فلمّا ورد كتاب زياد على معاوية غمّه وأحزنه ، وبعث إلى المغيرة
بن شعبة فخلا به ، وقال : يا مغيرة ، إنّي اُريد مشاورتك في أمر أهمّني. قال
المغيرة : وما ذاك؟ قال : إنّ زياداً قد أقام بفارس ، وهو رجل ثاقب الرّأي ، ماضي
العزيمة ، جوّال الفكر ، وقد خفت منه الآن ما كنت آمنُه إذ كان صاحبه حيّاً ، وأخشى
ممالأته حسناً ، فكيف السّبيل إليه؟ قال المغيرة : أنا له إنْ لم أمت ، إنّ زياداً
رجل يُحب الشّرف والذّكر وصعود المنابر ، فلو لاطفته المسألة وألنت له الكتاب ، لكان
لك أميل وبك أوثق ، فاكتب إليه وأنا الرّسول. فكتب إليه معاوية : من معاوية بن أبي
سفيان إلى زياد بن أبي سفيان ، أمّا بعد ، فإنّ المرء ربما طرحه الهوى في مطارح
العطب ، وحملك سوء ظنّك بي وبغضك لي على أنْ عققت قرابتي ، وقطعت رحمي ، وبتّت
نسبي حتّى كأنّك لست أخي ، وليس صخر بن حرب أباك وأبي ، وشتّان ما بيني وبينك ؛
أطلب بدم ابن أبي العاص (يعني عثمان) وأنت تُقاتلني؟! فاعلم أبا المغيرة ، إنّك لو
خضت البحر في طاعة القوم ، فتضرب بالسّيف حتّى ينقطع متنه لما ازددت منهم إلاّ
بُعداً ؛ فإنّ بني عبد شمس أبغض إلى بني هاشم من الشّفرة إلى الثّور الصّريع وقد
اُوثق للذبح ، فارجع إلى أصلك واتّصل بقومك. ووعده بالإمرة والصّلة. فرحل المغيرة
بكتاب معاوية حتّى قدم على زياد ، فدفع إليه الكتاب فجعل يتأمّله ويضحك ، ثمّ جمع
النّاس بعد يومين أو ثلاثة ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أيّها
النّاس ، ادفعوا البلاء ما اندفع عنكم ، وارغبوا إلى الله في دوام العافية لكم ،
فقد نظرتُ في اُمور النّاس منذ قُتل عثمان وفكّرت فيهم ، فوجدتهم كالأضاحي في كلّ
عيد يُذبحون ، ولقد
[١] سحابة جَفْل ، بالفتح
فالسكون : أي أمطرت ماءها.