اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 533
المجلس الرّابع عشر بعد
المئتين
روى الصّدوق ـ عليه الرّحمة ـ في كتاب (كمال
الدّين وتمام النّعمة) ، بسنده عن ابن عباس قال : كان يوضع لعبد المطّلب بن هاشم
فراش في ظلِّ الكعبة لا يجلس عليه أحد إلاّ هو ؛ إجلالاً له ، وكان بنوه يجلسون
حول الفراش حتّى يخرج عبد المطّلب ، وكان رسول الله (ص) يخرج وهو غلام فيمشي حتّى
يجلس على الفراش ، فيعظّم ذلك أعمامه ويأخذونه ليؤخّروه ، فيقول لهم عبد المطّلب
إذا رأى ذلك منهم : دعوا ابني ، فوالله ، إنّ له لشأناً عظيماً ، إنّي أرى أنّه
سيأتي عليكم يوم وهو سيّدكم ، إنّي أرى غرّةً تسود النّاس. ثمّ يحمله فيجلسه معه
ويمسح ظهره ويُقبِّله ، ويقول : ما رأيت قبله أطيب منه ولا أطهر قط ، ولا جسداً
ألين منه ولا أطيب. ثمّ يلتفت إلى أبي طالب ـ وذلك أنّ عبد الله وأبا طالب لاُمٍّ
واحدة ـ فيقول : يا أبا طالب ، إنّ لهذا الغُلام لشأناً عظيماً فاحفظه واستمسك به
؛ فإنّه فرد وحيد ، وكن له كالاُمِّ لا يصل إليه شيء يكرهه. فلمّا تمّت له ستُّ
سنين ، ماتت اُمّه آمنة بالأبواء بين مكّة والمدينة ، وكانت قدمت به على أخواله من
بني عدي ، فبقي رسول الله (ص) يتيماً لا أب له ولا اُمٌّ فازداد عبد المطّلب له
رقّة وحفظاً ، وكانت هذه حاله حتّى أدركت عبد المطّلبَ الوفاة ، فبعث إلى أبي طالب
ـ ومحمَّد (ص) على صدره ـ وهو في غمرات الموت ، وهو يبكي ويتلفّت إلى أبي طالب
ويقول : يا أبا طالب ، انظر أنْ تكون حافظاً لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ،
ولم يذق شفقة اُمّه. انظر يا أبا طالب ، أنْ يكون من جسدك وبمنزلة كبدك ، فإنّي قد
تركتُ بنيَّ كلّهم وأوصيتك به ؛ لأنّك من اُمّ أبيه. يا أبا طالب ، ما أعلم أحداً
من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ، ولا اُمّه على حال اُمّه ، فاحفظه لوحدته. هل
قبلت وصيتي؟ قال : نعم قد قبلت ، والله عليّ بذلك شاهد. فقال عبد المطّلب : فمد
يدك إليَّ. فمدَّ يده إليه ، فضرب بيده على يده. ثمّ قال عبد المطّلب : الآن خُفّف
عليّ الموت. ثمّ لم يزل يُقبّله ، ويقول : أشهد أنّي لم اُقبّل أحداً من ولدي أطيب
ريحاً منك ولا أحسن وجهاً منك
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 533