اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 512
الأرض من عزيزِ جسدٍ
، وأنيق لونٍ كان في الدّنيا غذيَّ ترفٍ وربيب شرف! يتعلّل بالسّرور في ساعة حُزنه
ويفزعُ إلى السّلوة إنْ مصيبةٌ نزلتْ به ؛ ضنّاً بغضارة عيشه ، وشَحاحةً بلهوه
ولَعبه. فبينا هو يضحك إلى الدُّنيا وتضحك الدُّنيا إليه ، إذ وطئَ الدهر به
حَسَكهُ ، ونقضت الأيّام قُواه ، فخالطه بثٌّ لا يعرفه ، ونجيُّ همٍّ ما كان يجدُه
، وتولَّدت فيه فتراتُ عللٍ ، آنَسَ ما كان بصحَّته حتّى فتر مُعلِّله وذَهَل
مُمرِّضُه ، وتعايا أهلُه بصفة دائه ، وخَرسوا عن جواب السّائلين عنه. فبينا هو
كذلك على جَناحٍ من فراق الدُّنيا وترك الأحبّة ، إذ عرض له عارضٌ من غُصصهْ ،
فتحيَّرت نوافذ فِطنتهْ ، ويَبِستْ رطوبةُ لسانهْ. فكم من مهمٍّ من جوابه عرفه
فعيَّ عن ردّه! ودعاءٍ مُؤلمٍ لقلبه سَمعه فتصامَّ عنه! من كبير كان يُعظِّمه ، أو
صغيرٍ كان يرْحمُهْ. وإنّ للموت لَغمراتٍ هي أفظع منْ أنْ تستغرق بصفة ، أو تعتدلَ
على قلوب أهل الدُّنيا». ولذلك سأل زين العابدين (ع) مِن ربِّه الرحمة عند تلك
الغمرات ، فقال : «ارحم في هذه الدنيا غربتي ، وعند الموت كربتي ، وفي القبر وحدتي
، وفي اللّحد وحشتي ، وإذا نُشرت للحساب بين يديك ذلّ موقفي. وارحمني صريعاً على
الفراش تُقلّبني أيدي أحبَّتي ، وتفضَّل عليَّ ممدوداً على المغتسل يُغسِّلُني
صالحُ جيرتي ، وتحنَّنْ عليَّ محمولاً قد تناول الأقرباء أطرافَ جنازتي ، وجُد
عليَّ منقولاً قد نزلتُ بك وحيداً في حُفرتي ، وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي». هذا
كلام زين العابدين (ع) وخوفه من أهوال الموت وغمراته ، وأهوال ما بعد الموت ، وهو
إمام أهل البيت في عصره ، وزين العابدين الذي ضُرب بعبادته المثل ، ولمْ يكنْ
يُشبه جدّه أمير المؤمنين (ع) في عبادته غيره ، فكيف بأمثالنا من أهل التقصير؟! وهذا
الإمام ، الذي هذا كلامه وهذا خوفه من ربّه وهذه عبادته ، قد حُمل أسيراً إلى ابن
مرجانة نغل زياد بن سُميّة بالكوفة ، ثمّ حُمل أسيراً إلى ابن هند بالشام والغلُّ
في عُنقه. ولمّا اُدخل على ابن زياد ، قال له : مَن أنت؟ فقال : «أنا علي بن
الحسين». فقال : ألَيس قد قتل الله عليَّ بن الحسين؟ فقال (ع) له : «قد كان لي أخٌ
يُسمّى عليّاً قتله النّاس». فقال : بل الله قتله. فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : «الله يتوفَّى
الأنفس حين موتها». فغضب ابن زياد ، وقال : وبك جرأة لجوابي! وفيك بقيّة للردّ
عليّ! اذهبوا به فاضربوا عُنقه. فتعلّقت به عمّته زينب ، وقالت : يابن زياد ،
حسبُك من دمائنا. واعتنقته وقالت : لا والله ، لا اُفارقه ، فإنْ قتلته فاقتلني
معه. فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة ، ثمّ قال : عجباً للرحم! والله ، إنّي
لأظنُّها ودّت أنْ قتلتُها معه ، دعوه فإنّي أراه لمَا به ـ أي : إنّه شديد المرض
ـ. وفي رواية : أنّ علي بن الحسين (ع) قال لعمّته : «اسكتي يا عمّة حتّى اُكلّمه».
ثمّ أقبل عليه ، فقال : «أبالقتل تُهددني يابن زياد؟! أمَا علمت أنّ القتل لنا
عادة ، وكرامتَنا الشهادة؟».
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 512