اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 437
المجلس الثالث والثمانون بعد
المئة
في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ،
عن الأصبغ بن نباتة ، قال : دخل ضرار بن ضمرة على معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين (ع)
، فقال له : يا ضرار ، صف لي عليّاً. فقال : أعفني من ذلك. فقال : أقسمتُ عليك
لتصفنّه لي. فقال : إنْ كان لا بُدّ من ذلك ، فإنّه كان والله ، بعيد المدى شديد القوى
، يقول فصلاً ويحكم عدلاً ، يتفجّر العلم من جوانبه وتُنطق الحكمة من لسانه ،
يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته ، وكان غزير الدمعة طويل الفكرة ،
يُعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، وكان فينا كأحدنا ؛ يُجيبنا إنْ
سألناه ، ويأتينا إذا دعوناه ، ونحن والله ، مع قُربنا منه وقربه منّا لا نكاد
نُكلّمه ؛ هيبة له ، يُعظّم أهل الدّين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله
، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد بالله يا معاوية ، لقد رأيته في بعض مواقفه ،
وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه ، قابضاً على لحيته الشريفة ، يتململ تململ
السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وهو يقول : «إليك عنّي يا دُنيا ، غرّي غيري ، ألي
تعرضتِ أمْ إليّ تشوّقت؟ هيهات هيهات! فإنّي قد طلقتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ؛
فعمرك قصير ، وخطرك كبير ، وعيشك حقير». ثمّ قال (ع) : «آهٍ آهٍ! من قلة الزاد ،
وبُعد السّفر ، ووحشة الطّريق». ثمّ بكى ضرار ، وبكى معاوية وقال : رحم الله أبا
الحسن ، كان والله ، كذلك. ثمّ قال : فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال : حزن مَن ذُبح
ولدُها في حِجرها ؛ فهي لا ترقى لها دمعة ، ولا تسكن لها زفرة. وفي خبر : ترصّد
عمرو بن حريث غذاء أمير المؤمنين (ع) ، فأتته فضّة بجراب مختوم ، ففكّه واستخرج
منه خبزاً متغير اللّون ، خشناً جشباً ، فقال عمرو : يا فضة ، ألاَ تتّقين الله في
هذا الشيخ؟ ألاَ تنخلين له دقيق هذا الخبز وتُطيّبينه؟ فقالت : قد كنت أفعل ذلك
فنهاني ، وكنتُ أضع في جرابه طعاماً طيّباً فختم جرابه. قال : ثمّ إنّ أمير
المؤمنين (ع) فتّ ذلك الخبز في قصعة ، وصبّ عليه الماء ، وحسّر عن ذراعيه وجعل
يأكل حتّى اكتفى ، فلمّا فرغ من
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 437