اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 326
والحسين (ع) من اللحظة الاُولى قد اختار
دوره ، أو على الأصح قد اختاره دوره ، فطبيعته ترفض كلّ ما يحدث ، وهي ترفضه لحد
الأزمة. إنّ السّيف والإرهاب يُطالبانه بالبيعة ليزيد فلا يُبايع ويأوي إلى مكّة.
وفي مكّة يتقاطر حوله النّاس يدعونه إلى الخروج وطلب البيعة ، ولو لم يطلب إليه
النّاس ذلك لكان قد خرج أيضاً أو لمات قهراً ، فإلى جانب الذين حضّوه على الخروج
كان هناك الذين يحضّونه على ايثار السّلامة ، وكانوا من أخلص النّاصحين له ، ومع
ذلك لم يقبل السّلامة.
جاءته الكتب من العراق بأنّه لو وفد
عليهم لبايعوه ، فاتّخذ هذه الكتب ذريعة ليلعب دوره المقدور عليه. أرسل ابن عمّه
مُسلم بن عقيل إلى أصحاب هذه الكتب يستطلع الأمر ، واستُقبل مُسلم استقبالاً حسناً
، ولم يملك الوالي هُناك أنْ يتصدى له ، بل كلّ ما فعله هو النّصح. فما إنْ علم مُستشارو
الخلافة الدّهاة بموقف الوالي حتّى اقترحوا عزله وتعيين عُبيد الله بن زياد بن
أبيه مكانه ، فجاء عبيد الله هذا ، وهو النّموذج المُقابل لمُسلم وللثّوار ، رجل
السّلطة الذي تحكمه طبيعته أيضاً ليوغل في الإثم إلى الدّرك الأسفل. ونشبت المعركة
سجالاً بين الجُبن والشّجاعة ، وبين اللؤم والنّبالة ، فهو يفرّ من وجه الجماهير
ويحتمي بالقصر ، ثُمّ يظهر في صورة الجبّار حين تتفرّق الجماهير ، ويخلف العهد
ويغري بالمال ويغري بالسّلطة ، ويستعمل سلاح الإرهاب والتخويف حتّى يستطيع أخيراً
الظّفر بمُسلم فيقتله قتلة شنعاء ، ويُلقي بجثّته من أعلى القصر.
وتأتي كُتب مُسلم إلى الحسين (ع) بأنّ
عشرات الاُلوف ينتظرونه لمبايعته ، ويتحرك الحسين (ع) فيبلغه ما حدث لمسلم ،
وبدلاً من أنْ يتراجع مؤثراً السّلامة يُقرّر المُضي إلى العراق ؛ مُحتجّاً لنفسه
ولأهله ونفره القليل بأنّه حين يدخل العراق سيلتفّ النّاس حوله ، وكان يعني أنّ
وجوده بينهم سيقضي على خوفهم وتخاذلهم ويردّهم إلى آدميتهم ، وهو بذلك يُحدّد دوره
؛ أنّه بعث الرّوح من جديد ليس أكثر.
ويمضي الحسين (ع) وليس معه إلاّ سبعون
رجُلاً ونساؤه وأطفاله.
وفي هذه اللحظة يكون الحسين (ع) قد أدرك
الموقف كلّه ، فهو يعلم أنّ جيوش عُبيد الله بن زياد قد تعترضه ، بل هي تعترضه
قطعاً ، وعندئذٍ تكون النّهاية.
ولكن الحسين (ع) كان يعلم أنّه لا بُدّ
من فدية شخصيّة ، فدية تتوهّج بالدّم ، وكان هو الوحيد الذي يملك أنْ يتقدّم كفدية
تهزّ الضّمير ـ شبه الميّت ـ في قلب الاُمّة.
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 326