اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 323
المجلس الثّامن والأربعون
بعد المئة
في بعض فترات التّاريخ يبدو الواقع
حادّاً شديد الحدّة ، فيُخيّل للإنسان الذي يُعايش هذا الواقع أنّ كلّ ما قرأه عن
القيم الخيّرة ، والنّزوغ البشري إلى الخير ، إنْ هو إلاّ أوهام كتّابٍ حالمين لم
يصطدموا بالواقع ، فعند احتدام هذا الواقع لا يستطيع الإنسان أنْ يُميّز بين الخطأ
والصّواب.
وحين ينتصر الباطل في أفضع صوره ، في
موقعة إثر موقعة ، ويكتسح الحكم الإرهابي أمامه كلّ العقبات ، يحدث ما يشبه الوباء
العام ، وتصبح أغلبية النّاس جبناء وانتهازيين ، وقتلة ومُجرمين حتّى يصعب تصديق
أنّ الطّبيعة الإنسانيّة تحتوي على أي أساس يمتّ للخير بصلة.
إنّ نفوس النّاس تنهار واحدة إثر
الاُخرى ، والعدوى تنتقل انتقال الوباء المستشرى ، وتفقد البشرية إحساسها بالكرامة
، وكأنّها هي تحكُم على نفسها بالانّّحطاط إلى أبعد مدى ، تعاقب نفسها بما ترتكبه
من آثام.
وليست بعد ذلك صراعاً بين قوى ظالمة
وقوى مظلومة ، إنّما هي في الواقع صراع بين القيم الإنسانيّة العُليا والقيم
السّفلى. ومهما تلبس القوى المُتحكّمة تصرفاتها من أردية المنطق والعدالة
والسّياسة ، فإنّها في الواقع تنخر في صميم الكيان البشري ، وتوشك أنْ تودي بهذا
الكيان إلى الفناء.
وكلّ سلطة متحكّمة ترى دائماً ـ إلى
جانب السّيف والمال ـ مفكريها الذين يفلسفون التّسلط ويبررونه ، ولقد كان معاوية
يُردّد كثيراً : (يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ) وكأنّ مُلكه قدر إلهي ، وأنّ هذا
القدر قد اختاره ؛ وبناء على ذلك فكلّ سلوك له يستمد شرعيته من هذا الاختيار.
اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 323