اسم الکتاب : المجالس السنيّة في مناقب ومناصب العترة النبويّة المؤلف : الأمين، السيد محسن الجزء : 1 صفحة : 232
يُسار بها عُنفاً بلا رفق محرمِ
بها غير مغلولٍ يحنّ على صعبِ
ويحضرُها الطّاغي بناديه شامتاً
بما نال أهلَ البيت من فادح الخطبِ
وسار علي (ع) ، فلمّا قارب (ضجنان) [١] أدركه الطّلب ؛ وهم ثمانية فرسان
ملثّمون ومعهم مولى لحرب بن اُميّة اسمه جناح. فقال علي (ع) لأيمن وأبي واقد : «أنيخا
الإبل واعقلاها». وتقدّم فأنزل النّسوة ، ودنا القوم فاستقبلهم علي (ع) مُنتضياً
سيفه ، فقالوا : ظننت أنّك ـ يا غدّار ـ ناجٍ بالنّسوة؟ ارجع لا أبا لك. قال : «فإنْ
لم أفعل؟». قالوا : لترجعن راغماً أو لنرجعن بأكثرك شعراً (أي برأسك) ، وأهون بك
من هالك. ودنا الفوارس من المطايا ليثوروها ، فحال علي (ع) بينهم وبينها ، فأهوى له
جناح بسيفه فراغ علي (ع) عن ضربته ، وضربه على عاتقه فقتله ، وشدّ على أصحابه ـ
وهو على قدميه ـ شدّة ضيغم ، وهو يرتجز ويقول :
خلّوا سبيلَ الجاهد المُجاهدِ
آليتُ لا أعبدُ غيرَ الواحدِ
فتفرّق القوم عنه وقالوا : احبس نفسك
عنّا يابن أبي طالب. قال : «فإنّي منطلق إلى أخي وابن عمّي رسول الله ، فمَن سرّه
أنْ أفري لحمه واُريق دمه فليدنُ منّي». ثُمّ أقبل على أيمن وأبي واقد ، وقال : «إطلقا
مطاياكما». ثُمّ سار ظافراً قاهراً حتّى نزل (ضجنان) فلبث بها يومه وليلته ، ولحق
به نفر من المُستضعفين من المؤمنين ، فيهم اُم أيمن مولاة رسول الله (ص). وبات
ليلته تلك هو والفواطم ، طوراً يصلّون وطوراً يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى
جنوبهم حتّى طلع الفجر ، فصلّى بهم صلاة الفجر ، ثُمّ سار لا يفتر عن ذكر الله هو
ومَن معه حتّى قدموا المدينة.
ذكّرني دخول علي (ع) المدينة مع الفواطم
ظافراً قاهراً لم يُصب بسوء ، دخول ولده زين العابدين (ع) المدينة مع بنات الفواطم
، لكن شتّان ما بين الدّخولين ، فأمير المؤمنين (ع) قد دخل المدينة ظافراً منصوراً
على أعدائه ، وولده زين العابدين (ع) دخل المدينة بنساء أهل بيته بعد رجوعه من
كربلاء ، وقد قُتل أبوه الحسين (ع) وقُتلت جميع أنصاره وأهل بيته عليهمالسلام ، وذُبحت أطفاله
وسُبيت عياله ، فدخل (ع) إلى المدينة فرآها موحشة باكية ، ووجد ديار أهله خالية
تنعى أهلها وتندُب سُكانها.