لَقَدْ نَهَضْتُ فِيها وَ مَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ، وَ هأَنَذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السّتّينَ! وَ لكِنْ لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ!
و من خطبة له (ع) (28)
و هو فصل من الخطبة الّتى أولها «الحمد للَّه غير مقنوط من رحمته»
و فيه أحد عشر تنبيها
أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ الدُّنْيا قَدْ أَدْبَرَتْ، وَ آذَنَتْ بِوَدَاعٍ، وَ إِنّ الآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ بِاطّلاعٍ، أَلَا وَ إِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارُ وَ غَداً السّبَاقُ، وَ السَّبَقَةُ الْجَنَّةُ، وَ الْغايَةُ النَّارُ؛ أَفَلَا تائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ! أَلَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ! أَلَا وَ إِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ؛ فَمَنْ عَمِلَ في أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ، وَ لَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ. وَ مَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ، فَقَدْ خَسِرَ عَمَلَهُ، وَ ضَرَّهُ أَجَلُهُ. أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ، أَلَا وَ إِنّي لَمْ أَرَكَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، وَ لَا كالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، أَلَا وَ إِنَّهُ مَن لا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضْرُّهُ الْبَاطِلُ، وَ مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى، يَجُرُّ بِهِ الضّلَالُ إِلَى الرَّدَى. أَلَا وَ إِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ، وَ دُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ؛ وَ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ: اتّبَاعُ الْهَوَى، وَ طُولُ الْأَمَلِ، فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِه أَنْفُسَكُمْ غَداً.
قال السيد الشريف و أقول: إنه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد فى الدنيا، ويضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام، و كفى به قاطعاً لعلائق الآمال،