وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ، فَكَأَنَّما قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ وَ هُمْ فِيهَا، فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذلِكَ، فَكَأَنَّما اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِي طُولِ الْإِقَامَةِ فِيهِ، وَ حَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا، فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذلِكَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا، حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لَا يَرَى النَّاسُ، وَ يَسْمَعُونَ مَا لَايَسْمَعُونَ. فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمْ الَمحْمودَةِ، وَ مَجَالِسِهِمْ الْمَشْهُودَةِ، وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ، وَ فَرَغُوا لُمحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَنْ كُلِّ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا، أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فِيهَا، وَ حَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَارِهِمْ ظُهُورَهُمْ، فَضَعُفُوا عَنِ الْاسْتِقْلَالِ بِهَا، فَنَشَجُوا نَشِيجاً، وَ تَجَاوَبُوا نَحِيباً، يَعِجُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اعْتِرَافٍ، لَرَأَيْتَ أَعْلَامَ هُدًى، وَ مَصَابِيحَ دُجىً، قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ فِي مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ، وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ.
يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ، رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَى فَضْلِهِ، وَ أُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ، جَرَحَ طُولُ الْأَسَى قُلُوبَهُمْ، وَ طُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ. لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ، يَسْأَلُونَ مَنْ لَاتَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ، وَ لَايَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ.
فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الْأَنْفُسِ لَها حَسِيبٌ غَيْرُكَ.
و من خطبة له (ع) (223)
قاله عند تلاوته: «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ»
أَدْحَضُ مَسْؤُولٍ حُجَّةً وَ أَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً، لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ.
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، مَا جَرَّأَكَ عَلَى ذَنْبِكَ، وَ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ، وَ مَا أَنَّسَكَ بِهَلَكَةِ نَفْسِكَ؟