فَجَاءَ بِهِ عَلَى مَاسَمِعَهُ، لَمْ يَزِدْ فِيهِوَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ، فَهُوَ حَفِظَ النَّاسِخَ فَعَمِلَ بِهِ، وَ حَفِظَ الْمَنْسُوخَ فَجَنَّبَ عَنْهُ، وَ عَرَفَ الْخَاصَّ وَ الْعَامَّ، وَ الُمحْكَمَ وَ الْمُتَشَابِهَ، فَوَضَعَ كُلَّ شَيْءٍ مَوْضِعَهُ.
وَ قَدْ كانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله الْكَلَامُ لَهُ وَجْهَانِ: فَكَلَامٌ خَاصٌّ، وَ كَلامٌ عَامٌّ، فَيَسْمَعُهُ مَنْ لَايَعْرِفُ مَا عَنَى اللَّهُ، سُبْحَانَهُ، بِهِ، وَ لَامَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و آله فَيَحْمِلُهُ السَّامِعُ، وَ يُوَجِّهُهُ عَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِمَعْنَاهُ، وَ مَا قُصِدَ بِهِ، وَ مَا خَرَجَ مِنْ أَجْلِهِ، وَ لَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله مَنْ كَانَ يَسْأَلُهُ وَ يَسْتَفْهِمُهُ، حَتَّى إِنْ كانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الْأَعْرَابِيُّ وَ الطَّارِيءُ، فَيَسْأَلَهُ عليه السلام حَتَّى يَسْمَعُوا، وَ كانَ لَايَمُرُّ بِي مِنْ ذلِكَ شَيْءٌ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَ حَفِظْتُهُ، فَهذِهِ وُجُوهُ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فِي اخْتِلَافِهِمْ، وَ عِلَلِهِمْ فِي رِوَايَاتِهِمْ.
و من خطبة له (ع) (211)
في عجيب صنعة الكون
وَ كَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَرُوتِهِ، وَ بَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ، يَبَساً جَامِداً، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَموَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا، فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ، وَ قَامَتْ عَلى حَدِّهِ، وَ أَرْسَى أَرْضاً يَحْمِلُهَا الْأَخْضَرُ الْمُثْعَنْجَرُ، وَ الْقَمْقَامُ الْمُسَخَّرُ، قَدْ ذَلَّ لِأَمْرِهِ، وَ أَذْعَنَ لِهَيْبَتِهِ، وَ وَقَفَ الْجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ. وَ جَبَلَ جَلَامِيدَهَا، وَ نُشُوزَ مُتُونِهَا وَ أَطْوَادِهَا، فَأَرْسَاهَا فِي مَرَاسِيهَا، وَ أَلْزَمَهَا قَرَارَاتَهَا. فَمَضَتْ رُؤُوسُهَا فِي الْهَوَاءِ، وَرَسَتْ أُصُولُهَا فِي الْمَاءِ،