فَإِنَّهَا مَصْيَدَةُ إِبْلِيسَ الْعُظْمَى، وَ مَكِيدَتَهُ الْكُبْرَى؛ الَّتي تُسَاوِرُ قُلُوبَ الرِّجَالِ مُسَاوَرَةَ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ. فَما تُكْدِي أَبَداً، وَ لَا تُشْوِي أَحَداً، لَاعَالِماً لِعِلْمِهِ، وَ لَا مُقِلًّا فِي طِمْرِهِ. وَ عَنْ ذلِكَ مَا حَرَسَ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ وَ الزَّكَوَاتِ، وَ مُجَاهَدَةِ الصِّيَامِ فِي الْأَيَّامِ الْمَفْرُوضَاتِ، تَسْكِيناً لِأَطْرَافِهِمْ، وَ تَخْشِيعاً لِأَبْصَارِهِمْ، وَ تَذْلِيلًا لِنُفُوسِهِمْ، وَ تَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ، وَ إِذْهَاباً لِلْخُيَلَاءِ عَنْهُمْ، وَ لِمَا فِي ذلِكَ مِنْ تَعْفِيرِ عِتَاقِ الْوُجُوهِ بِالتُّرَابِ تَوَاضُعاً، وَ الْتِصَاقِ كَرَائِمِ الْجَوَارِحِ بِالْأَرْضِ تَصَاغُراً، وَ لُحُوقِ الْبُطُونِ بِالْمُتُونِ مِنَ الصِّيَامِ تَذَلُّلًا؛ مَعَ مَا فِي الزَّكَاةِ مِنْ صَرْفِ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ وَ غَيْرِ ذلِكَ إِلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ وَ الْفَقْرِ.
فضائل الفرائض
انْظُرُوا إِلَى مَا فِي هذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ قَمْعِ نَوَاجِمِ الْفَخْرِ، وَ قَدْعِ طَوَالِعِ الْكِبْرِ!
وَ لَقَدْ نَظَرْتُ فَما وَجَدْتُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَتَعَصَّبُ لِشَيءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ إِلَّا عن عِلَّةِ تَحْتَمِلُ تَمْوِيهَ الْجُهَلَاءِ أوْ حُجَّةٍ تَلِيطُ بِعُقُولِ السُّفَهاءِ غَيْرَكُمْ. فَإِنَّكُمْ تَتَعَصَّبُونَ لِأَمْرٍ مَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ وَ لا عِلَّةٌ. أَمَّا إِبْلِيسُ فَتَعَصَّبَ عَلَى آدَمَ لِأَصْلِهِ. وَ طَعَنَ عَلَيْهِ فِي خِلْقَتِهِ، فَقالَ: أَنَا نَارِيٌّ وَ أَنْتَ طِينِيٌّ.
عصبيّة المال
وَ أَمَّا الْأَغْنِياءُ مِنْ مُتْرَفَةِ الْأُمَمِ فَتَعَصَّبُوا لِآثارِ مَوَاقِعِ النِّعَمِ. فَقَالُوا: «نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَ أَوْلَاداً وَ مَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» فَإِنْ كانَ لَابُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ