وَ أَقَلِّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا مَدَراً. وَ أَضْيَقِ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ قُطْراً. بَيْنَ جِبَالٍ خَشِنَةٍ، وَ رِمَالٍ دَمِثَةٍ، وَ عُيُونٍ وَشِلَةٍ، وَ قُرًى مُنْقَطِعَةٍ؛ لَايَزْكُوبِهَا خُفٌّ، وَ لَاحَافِرٌ وَ لَاظِلْفٌ. ثُمَّ أَمَرَ آدَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ وَ وَلَدَهُ أَنْ يَثْنُوا أَعْطَافَهُمْ نَحْوَهُ، فَصَارَ مَثَابَةً لِمُنْتَجَعِ أَسْفَارِهِمْ، وَ غَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ. تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ الْأَفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَارٍ سَحِيقَةٍ وَ مَهَاوِي فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ، وَ جَزَائِرِ بِحَارٍ مُنْقَطِعَةٍ، حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلًا يُهَلِّلُونَ لِلَّهِ حَوْلَهُ. وَ يَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ شُعْثاً غُبْراً لَهُ. قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَ شَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمْ، ابْتِلَاءً عَظِيماً وَ امْتِحَاناً شَدِيداً وَ اخْتِبَاراً مُبِيناً. وَ تَمْحِيصاً بَلِيغاً جَعَلَهُ اللَّهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ، وَ وُصْلَةً إِلَى جَنَّتِهِ. وَ لَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ وَ مَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ بَيْنَ جَنَّاتٍ وَ أَنْهَارٍ وَ سَهْلٍ وَ قَرَارٍ، جمَّ الْأَشْجَارِ، دَانِي الِّثمَارِ، مُلْتَفِّ الْبُنَى، مُتَّصِلِ الْقُرَى، بَيْنَ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ وَ رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَ أَرْيَافٍ مُحْدِقَةٍ، وَ عِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ، وَ رِيَاضٍ نَاضِرَةٍ، وَ طُرُقٍ عَامِرَةٍ، لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلَاءِ. وَ لَوْ كَانَ الْإِسَاسُ الَمحْمُولُ عَلَيْهَا، وَ الْأَحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِها بَيْنَ زُمُرُّدَةٍ خَضْرَاءَ، وَ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ؛ وَ نُورٍ وَ ضِيَاءٍ، لَخَفَّفَ ذلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ، وَ لَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ، وَ لَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ، وَ لكِنَّ اللَّهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، وَ يَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الَمجَاهِدِ، وَ يَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّر مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَ إِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ. وَ لِيَجْعَلَ ذلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ، وَ أَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِهِ.
عود الى التحذير
فَاللَّهَ اللَّهَ فِي عَاجِلِ الْبَغْيِ، وَ آجِلِ وَخَامَةِ الظُّلْمِ، وَ سُوءِ عَاقِبَةِ الْكِبْرِ،