وَ مَا فِي الْجَوْفِ مِنَ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا وَ مَا فِي الرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وَ أُذُنِهَا، لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً، وَ لَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً! فَتَعالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا، وَ بَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا. لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ، وَ لَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ. وَ لَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ، مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ الَّنمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ وَ غَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيِّ، وَ مَا الْجَلِيلُ وَ اللَّطِيفُ وَ الثَّقِيلُ وَ الْخَفِيفُ، وَ الْقَوِيُّ وَ الضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاءٌ.
خلقة السماء و الكون
وَ كَذلِكَ السَّمَاءُ وَ الْهَوَاءُ وَ الرِّيَاحُ وَ الْمَاءُ. فَانْظُرْ إِلَى الشَّمْسِ وَ الْقَمَرِ وَ النَّبَاتِ وَ الشَّجَرِ وَ الْمَاءِ وَ الْحَجَرِ وَ اخْتِلَافِ هذَا اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ، وَ تَفَجُّرِ هذِهِ الْبِحَارِ، وَ كَثْرَةِ هذِهِ الْجِبَالِ، وَ طُولِ هذِهِ الْقِلَالِ وَ تَفَرُّقِ هذِهِ اللُّغَاتِ، وَ الْأَلسُنِ الُمخْتَلِفَاتِ. فَالْوَيْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدَّرَ، وَ جَحَدَ الْمُدَبِّرَ. زَعَمُوا أَنَّهُمْ كالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ، وَ لَالِاْختِلَافِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ. وَ لَمْ يَلْجَؤُوا إِلَى حُجَّةٍ فِيَما ادَّعُوْا، وَ لَا تَحْقِيقٍ لِمَا أَوْعَوْا. وَ هَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَانٍ، أَوْ جِنَايَةٌ مِنْ غَيْرِ جَانٍ.
خلقة الجرادة
وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْجَرَادَةِ، إِذْ خَلَقَ لَها عَيْنَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ. وَ أَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ. وَ جَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِيَّ، وَ فَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِيَّ، وَ جَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِيَّ، وَ نَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ، وَ مِنْجَلَيْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ، يَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهِمْ، وَ لَا يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّها.