وَ مَا الَّذِي نَرَى مِنْ خَلْقِكَ، وَ نَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ، وَ نَصِفُهُ مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِكَ، وَ مَا تَغَيَّبَ عَنَّا مِنْهُ، وَ قَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ، وَ انْتَهَتْ عُقُولَنَا دُونَهُ، وَ حَالَتْ سُتُورُ الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ أَعْظَمُ. فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ، وَ أَعْمَلَ فِكْرَهُ، لِيَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ، وَ كَيْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَكَ، وَ كَيْفَ عَلَّقْتَ فِي الْهَوَاءِ سَموَاتِكَ، وَ كَيْفَ مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَكَ، رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِيراً، وَ عَقْلُهُ مَبْهُوراً، وَ سَمْعُهُ وَالِهاً، وَ فِكْرُهُ حَائِراً.
كيف يكون الرجاء
منها: يَدَّعِي بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرْجُو اللَّهَ. كَذَبَ وَ الْعَظِيمِ! مَا بَالُهُ لايَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ؟ فَكُلُّ مَنْ رَجَا عُرِفَ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ. وَ كُلُّ رَجَاءٍ- إِلَّا رَجَاءَ اللَّهِ تَعَالَى- فَإِنَّهُ مَدْخُولٌ وَ كُلُّ خَوْفٍ مُحَقَّقٌ إِلَّا خَوْفَ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ. يَرْجُو اللَّهَ فِي الْكَبِيرِ، وَ يَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغِيرِ، فَيُعْطِي الْعَبْدَ مَا لا يُعْطِي الرَّبَّ! فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا يُصْنَعُ بِهِ لِعِبَادِهِ؟ أَتَخافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً؟ أَوْ تَكُونَ لاتَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً؟ وَ كَذلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ؛ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لا يُعْطِي رَبَّهُ، فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً، وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً وَ وَعْداً. وَ كَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، وَ كَبُرَ مَوْقِعُهَا مِنْ قَلْبِهِ، آثَرَهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فانْقَطَعَ إِلَيْهَا، وَ صَارَ عَبْداً لَها.
رسول اللَّه
وَلَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِاللَّهِ صلى الله عليه و آله كافٍ لَكَ فِي الْأُسْوَةِ. وَ دَلِيلٌ لَكَ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا وَ عَيْبِهَا،