أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً! أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَ صُلَحَاؤُكُمْ! وَ أَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَ سُمَحَاؤُكُمْ! وَ أَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ، وَ الْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ! أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَ الْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ. وَ هَلْ خُلِقْتُمْ إِلَّافِي حُثَالَةٍ لَاتَلْتَقِي بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ، وَ ذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ! «فَإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»، «ظَهَرَ الْفَسَادُ»، فَلَا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ، وَ لَازَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ. أَفَبِهذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ، وَ تَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ؟ هَيْهَاتَ! لَا يُخْدَعُ اللَّهُ عَنْ جَنَّتِهِ، وَ لَاتُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ. لَعَنَ اللَّهُ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَ النَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ!
و من خطبة له (ع) (130)
لأبي ذرّ رحمه اللَّه لمّا أخرج إلى الربذة
يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ غَضِبْتَ لِلَّهِ، فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ. إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ، وَ خِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ، وَ اهْرُبْ مِنْهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ، فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ، وَ مَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ! وَ سَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَداً، وَ الْأَكْثَرُ حُسَّداً. وَ لَوْ أَنَّ السَّموَاتِ وَ الْأَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً ثُمَّ اتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً! لَايُؤْنِسَنَّكَ إِلَّا الْحَقُّ، وَ لَايُوحِشَنَّكَ إِلَّا الْبَاطِلُ. فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لَأَحَبُّوكَ، وَ لَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لَأَمَّنُوكَ.