وَ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ وَ تَرْفَعَانِ الْعَمَلَ. لَا يَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ، وَ لَا يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ.
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّتي هِيَ الزَّادُ وَ بِهَا الْمَعَاذُ: زَادٌ مُبْلِغٌ، وَ مَعَاذٌ مُنْجِحٌ. دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ، وَ وَعَاهَا خَيْرُ وَاعٍ. فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا وَ فَازَ وَاعِيهَا.
عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ حَمَتْ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مَحَارِمَهُ. وَ أَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ، حَتَّى أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ، وَ أَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ. فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ، وَ الرّيَّ بِالظَّمَإِ. وَ اسْتَقْرَبُوا الْأَجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ، وَ كَذَّبُوا الْأَمَلَ فَلاحَظُوا الْأَجَلَ. ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ وَ عَنَاءٍ، وَ غِيَرٍ وَ عِبَرٍ؛ فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ، لَا تُخْطِيءُ سِهَامُهُ، وَ لَا تُؤْسَى جِرَاحُهُ. يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ وَ الصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ، وَ النَّاجِيَ بِالْعَطَبِ. آكِلٌ لَا يَشْبَعُ، وَ شَارِبٌ لَا يَنْقَعُ. وَ مِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لَا يَأْكُلُ وَ يَبْنِي مَالا يَسْكُنُ.
ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا مَالًا حَمَلَ، وَ لَا بِنَاءً نَقَلَ. وَ مِنْ غِيَرِهَا أَنَّكَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً، وَ الْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً؛ لَيْسَ ذلِكَ إِلَّا نَعِيماً زَلَّ، وَ بُؤْساً نَزَلَ. وَ مِنْ عِبَرِهَا أَنَّ الْمَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى أَمَلِهِ فَيَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ. فَلَا أَمَلٌ يُدْرَكُ وَ لَا مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا وَ أَظْمَأَ رِيَّها وَ أَضْحَى فَيْئَهَا، لَا جَاءٍ يُرَدُّ، وَ لَا مَاضٍ يَرْتَدُّ. فَسُبْحَانَ اللَّهِ، مَا أَقْرَبَ الْحَيَّ مِنَ الْمَيّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ، وَ أَبْعَدَ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُ!
إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِشَرّ مِنَ الشَّرّ إِلَّا عِقَابُهُ، وَ لَيْسَ شَيٌ بِخَيْرٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا ثَوَابُهُ. وَ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِهِ. وَ كُلُّ شَيءٍ مِنَ الْآخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ. فَلْيَكْفِكُمْ مِنَالْعِيَانِ السَّمَاعُ، وَ مِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ. وَ اعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا