وَ أَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ، وَ نُسَّاكاً بِلَا صَلَاحٍ، وَ تُجَّاراً بِلا أَرْبَاحٍ، وَ أَيْقَاظاً نُوَّماً، وَ شُهُوداً غُيَّباً، وَ نَاظِرَةً عَمْيَاءَ، وَ سَامِعَةً صَمَّاءَ، وَ نَاطِقَةً بَكْمَاءَ! رَايَةُ ضَلَالٍ قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا، وَ تَفَرَّقَتْ بِشُعَبِهَا، تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا، وَ تَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا. قَائِدُهَا خَارِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ، قَائِمٌ عَلَى الضَّلَّةِ؛ فَلَا يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلَّا ثُفَالَةٌ كَثُفَالَةِ الْقِدْرِ، أَوْ نُفَاضَةٌ كَنُفَاضَةِ الْعِكْمِ، تَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الْأَدِيمِ، وَ تَدُوسُكُمْ دَوْسَ الْحَصِيدِ، وَ تَسْتَخْلِصُ الْمُؤْمِنَ مِنْ بَيْنِكُمْ اسْتِخْلَاصَ الطَّيْرِ الْحَبَّةَ الْبَطِينَةَ مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ الْحَبّ.
أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ، وَ تَتِيهُ بِكُمُ الْغَيَاهِبُ وَ تَخْدَعُكُمُ الْكَوَاذِبُ؟ وَ مِنْ أَيْنَ تُؤْتَوْنَ وَ أَنَّى تُؤْفَكُونَ؟ فَلِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ، وَ لِكُلّ غَيْبَةٍ إِيَابٌ، فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِيّكُمْ، وَ أَحْضِرُوهُ قُلُوبَكُمْ، وَ اسْتَيْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ. وَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ، وَلْيَجْمَعْ شَمْلَهُ، وَلْيُحْضِرْ ذِهْنَهُ، فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الْأَمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ، وَ قَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ.
فَعِنْدَ ذلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ، وَ رَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ، وَ عَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ، وَ قَلَّتِ الدَّاعِيَةُ، وَصَالَ الدَّهْرُ صِيالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ، وَ هَدَرَ فَنِيقُ الْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُومٍ، وَ تَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ، وَ تَهَاجَرُوا عَلَى الدّينِ، وَ تَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ، وَ تَبَاغَضُوا عَلَى الصّدْقِ. فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كانَ الْوَلَدُ غَيْظاً، وَ الْمَطَرُ قَيْظاً، وَ تَفِيضُ اللّئَامُ فَيْضاً، وَ تَغْيِضُ الْكِرَامُ غَيْضَاً، وَ كَانَ أَهْلُ ذلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً وَ سَلاطِينُهُ سِبَاعاً، وَ أَوْسَاطُهُ أُكَّالًا، وَ فُقَرَاؤُهُ أَمْوَاتاً، وَ غَارَ الصّدْقُ، وَفَاضَ الْكَذِبُ، وَ اسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللّسَانِ، وَ تَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ، وَ صَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً، وَ الْعَفَافُ عَجَباً، وَ لُبِسَ الْإِسْلَامُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً.